لن يقتصر الانفجار المرتقب، في ما لو استمرّت الاستفزازات الإسرائيلية مع انطلاق الاحتفالات بـ«الأعياد اليهودية» على حالها، على القدس وحدها، بل سينسحب على عموم الأراضي الفلسطينية. وفيما تتأهّب قوات الاحتلال لتأمين أكبر اقتحام في تاريخ المسجد الأقصى، وخشيةً من وقوع عمليات فدائية لا يبدو أن الأراضي المحتلّة ستتمكّن من الفكاك منها، حذّرت حركة «حماس» من أنها تتابع التطوّرات التي من شأنها أن «تجرّ المنطقة كلّها إلى حرب دينية»، إذا استمرّ عدوان الصهاينة بحق القدس
ويسيطر القلق الأمني والفشل في منع عمليات المقاومة على إسرائيل التي اندفعت إلى نشْر أكثر من 15 كتيبة عسكرية في مناطق الضفة، معزّزةً قواتها في محافظة نابلس بدورية «غولاني»، بينما دعت شرطة الاحتلال المستوطنين إلى حمْل سلاحهم الشخصي لدى حضورهم إلى دور العبادة والكُنس لإحياء عيد «رأس السنة العبرية». على أن الأحداث في القدس ستشكّل، خلال الساعات المقبلة، البوصلة لتطوّرها في جميع الأراضي الفلسطينية، في ظلّ تهديدات المستوطنين بممارسة الطقوس التلمودية التوراتية، ما من شأنه أن يفجّر مواجهات بين شرطة الاحتلال والمرابطين داخل الأقصى. وبالتزامن مع حشْد الجماعات الاستيطانية لتأمين أكبر اقتحام للأقصى، ارتفعت وتيرة الدعوات الفلسطينية والمقدسيّة للرباط فيه بهدف التصدّي للمستوطنين، في سياق لا يبدو قطاع غزة وفصائل المقاومة بعيداً منه أيضاً؛ إذ أكدت حركة «حماس» ومن خلفها الفصائل الفلسطينية، متابعتها لِمَا يجري في المسجد الأقصى. وقالت، في بيان ألقاه عضو مكتبها السياسي محمود الزهار، إن «استمرار عدوان الصهاينة ووحشيتهم بحق القدس والمقدسات سيكون سبباً في معركة كبرى نهايتها زوال الاحتلال»، محمّلاً العدو «المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذه الانتهاكات، وإمكانية جرّ المنطقة كلّها إلى حرب دينية مفتوحة».
وفي ظلّ الترقُّب في قطاع غزة، تتصاعد أعمال المقاومة في الضفة الغربية، في الوقت الذي تعيش فيه قوات الاحتلال استنفارات وتأهُّباً غير مسبوقين يجعلها بحالة أقرب إلى الجنون، إذ بات جنودها يستسهلون إطلاق النار على الفلسطينيين، كما حصل حين أردى عناصر الشرطة الإسرائيلية المعلّم والمرشد التربوي محمد أبو كافية قرب نابلس، بعدما اصطدمت مركبته بدورية فارغة لشرطة الاحتلال. وتتصدّر نابلس، في الوقت الراهن، صدارة عمليات المقاومة، حيث تتعرّض الحواجز العسكرية ونقاط جيش الاحتلال المحيطة بالمحافظة لعمليات إطلاق نار مستمرّة من قِبَل المقاومين الذين خاضوا، صبيحة الاثنين، اشتباكاً مسلّحاً بعد وقوعهم في كمين لجيش الاحتلال عند أطراف المدينة أثناء توجّههم لتنفيذ عملية إطلاق نار، استشهد خلاله المقاوم سائد الكوني وأصيب آخرون بجروح قبل أن يتمكّنوا من الانسحاب.
ولا تزال الإنذارات بتنفيذ عمليات، عالية، إذ قالت «القناة 13» العبرية، أمس، إن جيش الاحتلال يتحدّث عن 50 إنذاراً جدّياً باحتمال وقوع عمليات جديدة في القدس وجنين ونابلس، على الرغم من زعم القوات الإسرائيلية، في الأيام الماضية، كشْف خلايا للمقاومة نفّذت عمليات ضدّ قواتها أو خطّطت لتنفيذ أخرى، في محاولة لرفع معنويات المستوطنين قبيل الأعياد، وإبراز نتائج التأهُّب الأمني الذي يعيشونه. وقالت مصادر عبرية، أمس، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي عثر على عبوة ناسفة زرعها مقاومون قرب محطّة وقود عند مدخل مستوطنة «قدوميم» شرق قلقيلية، كما كشفت، الجمعة، عن اعتقال خليتَين نفّذتا عمليات إطلاق نار في الضفة، إحداها قرب حوارة، وأخرى تتبع لحركة «حماس» تلقّت تعليمات من غزة، كما أعلنت الجمعة اعتقال فلسطينيين خطّطوا لتفجير عبوة ناسفة في قوة كبيرة للجيش قرب مستوطنة «ألون موريه» بعد استدراجهم إلى خارج المستوطنة، سبقها الإعلان عن كشف خليّة لـ«حماس» في الخليل ونابلس مكوّنة من 8 أشخاص. ويستند التأهب الأمني الإسرائيلي إلى حالة الفشل في منع عمليات المقاومة منذ بداية العام الجاري، والتي حصدت نحو 27 مستوطناً منهم 4 جنود في 110 عمليات نفّذها مقاومون في مناطق مختلفة من الأراضي المحتلّة، تنوّعت ما بين طعن ودهس وإطلاق نار، بينما زعمت سلطات الاحتلال إحباط «مئات العمليات»، منها 47 في القدس وحدها.
وإزاء هذا الفشل، لا تزال أجهزة الاحتلال الأمنية تراهن على مساعدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لاحتواء سَيْل العمليات المتصاعد. وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لابيد، أمس، إن «ما يحدث في الضفة الغربية هو نتيجة ضعف السلطة وأجهزتها، هذا ليس شيئاً جيّداً، لدينا تعاون جيّد مع السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، ممّا يتيح الحياة الطبيعية في الضفة لليهود والفلسطينيين، ومن مصلحتنا أن يستمر هذا… إن حماس والجهاد الإسلامي يبذلان جهوداً كبيرة لإشعال الوضع هناك». وفي إطار التنسيق الأمني المكثف، كشف موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن السلطة الفلسطينية طلبت من جيش الاحتلال تقليص اقتحاماته العسكرية المتزايدة في الآونة الأخيرة شمال الضفة الغربية وبخاصة في نابلس وجنين، حتى تتمكّن من العمل بمفردها ضدّ الخلايا المسلّحة، معتبرة زيادة عدد الشهداء والجرحى في كل عملية عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق (أ) يضرّ بشرعيتها للعمل وإعادة الانتشار في تلك المناطق. وذكرت الصحيفة أن «النظام الأمني للاحتلال قرّر إعادة الاستقرار إلى المنطقة بمساعدة السلطة الفلسطينية وزيادة التنسيق الأمني في الأيام الأخيرة».
ويأتي هذا التطوّر بعد أيّام من اعتقال الأجهزة الأمنية المطلوب الأوّل لجيش الاحتلال مصعب اشتية، ورفيقه عميد طبيلة، في مدينة نابلس، وكشْف جهاز الاستخبارات عن ورشة لتصنيع الأسلحة في مدينة الخليل، منها أسلحة «كارلو» محلية الصنع، و«M16»، كانت ستُستخدم في عمليات ضدّ الاحتلال، فيما أكدت «القناة 12» العبرية، أن جهاز أمن الاحتلال العام، «الشاباك»، وجيش الاحتلال، قاما بنقل قائمة أسماء مقاومين مطارَدين من مدينة نابلس، إلى السلطة الفلسطينية من أجل اعتقالهم. ويبدو أن تطوّر المقاومة في الضفة الغربية، واستمرارها وتصاعد عملياتها، قد يدفع جيش الاحتلال إلى العمل في قطاع غزة، نظراً إلى ما سمّته بـ«التحريض» الذي تقوم به فصائل المقاومة في القطاع على تنفيذ العمليات في الضفة، واتهام فصائل المقاومة – وتحديداً «حماس» – بتجنيد وتشكيل خلايا مسلحة في الضفة لتنفيذ عمليات، وتصعيد الأحداث. وبحسب «القناة 12«، حذر رئيس «الشاباك»، رونين بار، قائد «حماس» في غزة يحيى السنوار، من الاستمرار في التحريض ومحاولة إشعال الأوضاع في الضفة الغربية، مؤكداً أنه لا يمكن أن يبقى الهدوء في غزة في وقت تشعل فيه «حماس» الأوضاع في الضفة من خلال تجنيد خلايا ومحاولة تنفيذ هجمات مسلّحة.
وتتزامن التوترات الميدانية في الضفة، مع دخول 30 أسيراً إدارياً في سجون الاحتلال من أسرى «الجبهة الشعبية»، إضراباً مفتوحاً عن الطعام ضد سياسة الاعتقال الإداري في السجون.