ٍَالرئيسية

صندوق النقد نفض يده من لبنان

ميشال نصر

كتّاب الديار

كما العودة السعودية إلى لبنان وحركة السفير البخاري المكوكية، كذلك هي حال وفد صندوق النقد الدولي مع المفاوض اللبناني، حيث برج بابل اقتصادي ومالي، هدفه الأول والأخير غسل الدولة يدها من كل مسؤولياتها، تحت حجج المصالحات وما خلوها، في وقت شكلت فيه هي نفسها الداء ممانعة عن تقديم الدواء للناس مستنزفة قدراتهم ومدخراتهم.

فبالنسبة لإدارة الصندوق، انتهى وقت «الدلع والغنج» وتضييع الوقت، رغم كل التسهيلات التي قدمت للحكومة اللبنانية التي لم تظهر اي جدية في التعامل، سواء لجهة شكل التفاوض، او مضمونه، حيث كانت المماطلة والتسويف سمات المراحل كلها، وقطع الوعود التي لم يطبق اي منها، حتى تلك القوانين التي حملت شكلا عناوين طالب بها الصندوق الا ان مضمونها فرغ من اي إصلاح نتيجة تكتل مافيات الفساد التي خيطت قوانين على قياسها، وفقا لمصادر متابعة المفاوضات.

وتكشف المصادر ان ادارة الصندوق اتخذ قرارا بالإجماع بعد مداولات عميقة، باخذ واقع التركيبة اللبنانية بعين الاعتبار، الا ان الدولة اللبنانية بعذر السياسة التي اتبعتها في تأجيل حسم خياراتها، ادت إلى استمرار الانهيار بوتيرة اسرع وجعلت من اي كلفة إنقاذ أغلى بكثير، معتبرة ان أهمية الاتفاق مع الصندوق تبقى معنوية اكثر منها مادية، كون ذلك سيفتح الباب أمام عودة المستثمرين وإعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني.

واشارت المصادر ان ما يهم صندوق النقد  ثلاثة امور:

-خفض عجز الموازنة العامة من خلال سلسلة إجراءات أبرزها إعادة هيكلة الإدارة العامة على أسس علمية جديدة ورفع ادائها وكفائتها، على أن يطال هذا الإصلاح كل القطاعات ولا يستثني اي مؤسسة تحت حجج واهية.

-وقف الاستنزاف الذي تتسبب به بعض القطاعات وفي مقدمتها كهرباء لبنان وما اليها من مؤسسات اثبتت فشلها.

-توحيد الأرقام لتحديد الخسائر بشكل دقيق وسد الفجوات القائمة تمهيدا النهوض بالبلد من جديد، حيث قد يفيد التدقيق الجنائي في حال أنجز وفقا المقتضى في تسهيل تلك العملية، دون أن يكون بحد ذاته مطلبا او شرطا لصندوق النقد الدولي كما يحاول ان يروج البعض.

واعتبرت المصادر ان ثمة عرقلة سياسية اكثر منها شعبية اجتماعية لقرار الاتفاق مع الصندوق والمباشرة بتطبيق وان كان موجعا في البداية، في ظل الانقسام الحاد بين معسكرين، الأول يرى ان لا حل الا في خيار صندوق النقد، والثاني يرى فيه الشيطان الرجيم القادم على حصان الحصار والأزمة الاقتصادية لفرض هيمنته ووصايته على القرار اللبناني، وهو ما لن يسمح به تحت أي ظرف من الظروف، وحلها ان كان فيك تحلها.

وختمت المصادر بأن لبنان بات قاب قوسين او أدنى من وضعه على لائحة الانتظار نتيجة تسويف الحكومات المتعاقبة، وتلكؤ المجلس النيابي عن تحمل مسؤوليته التشريعية، معتبرة ان المعارك الوهمية التي يحاول البعض تمرير القوانين المسمات اصلاحية تحت غشاوة غبارها، وفي مقدمتها الموازنة العامة بكل ما تعتريه من شوائب لن يقدم ولن يؤخر في لعبة الوقت الضائع، معتبرة ان بيروت شارفت على بلوغ مرحلة من الانهيار لن تكون معها قادرة على تحمل كلفة النهوض منها، فالرهان على أموال الغاز والنفط هو بيع للسمك في البحر ولن يكون الحل الاني للمشكلة بقدر ما هو عامل مساعد على المديين المتوسط والطويل.

صحيح ان سمعة صندوق النقد الدولي عند الطبقات الشعبية في البلدان المأزومة «زفت»، ذلك أن جسمه لبيس ويحتمل، الا ان الاصح دوما ان القوى الحاكمة في هذه البلدان لطالما نجحت في حماية جزء من فسادها تحت مسميات الإصلاح والنهوض بغض طرف دولي، غالبا ما كان لأسباب سياسية، وهو تماما ما يحصل في لبنان راهنا، حيث يمعن الحكام في اغراق السفينة في انتظار حبل النجاة الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى