كتّاب الديار
23 أيلول 2022 الساعة 22:17
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أما وقد أصبحنا، في جمهورية التيتانيك، ضيوف شرف على قوارب الموت. أحد خبراء البنك الدولي بدا وكأنه يرثينا، كموتى مع وقف التنفيذ. قال «من المستحيل العثور على رئيس للجمهورية يضطلع بهذه المهمة المستحيلة»، أي قيادة التيتانيك الى شاطئ الأمان…
نعود الى كلام نقل عن الوزير الراحل ميشال ادة «حتى المجانين لا ينتخبون ميشال عون رئيساً للجمهورية»، وان كان القائل «نحن الموارنة كلنا عقل، لكننا نجنّ كل ست سنوات. اعذرونا لا نستطيع الا أن نجنّ، من دقني وجرّ»…
بوجود سمير فرنجية، قال لنا « أحياناً، تعتريني حيرة، لكأنها حيرة السكارى. لبنان بحاجة الى رئيس على شاكلة أفلاطون، أم على شاكلة اينشتاين، أم على شاكلة الحجاج بن يوسف»؟ وان كان البعض قد اعتبر أن اتفاق الطائف عرّى رئيس الجمهورية حتى من ثيابه…
حتى الان، لا يدري اللبنانيون، وهم تحت الركام، من أين يأتون برئيس جمهورية يجمع بين المواصفات الطوباوية والمواصفات العملانية التي تقتضيها المرحلة. كلنا في حال الهذيان، وان كنا نعرف، وكما قلنا أكثر من مرة، أن رئيس الجمهورية يطبخ، كما طبق الهوت دوغ، في أي مكان آخر غير لبنان.
بيان لوزراء خارجية أميركا وفرنسا والسعودية (لم يكن بينهم وزير خارجية ايران) حدد، بلغة الشروط، لا بلغة المواصفات، من يكون، وكيف يكون، الرئيس اللبناني الرابع عشر الذي يفترض، في الحالة الراهنة، أن يجلس على كرسي بأربعة أرجل لا على رجل واحدة.
لا أحد من الأسماء المطروحة يمتلك الكاريزما التي تستقطب ولو نصف اللبنانيين. لا نعني كاريزما هيفاء وهبي، او كاريزما كميل شمعون. هنا جاذبية العقل، وجاذبية الحنكة، وجاذبية الشفافية. ولكن ليس من الضروري أن يكون الرئيس كاريزماتياً. فؤاد شهاب الذي حاول بناء جمهورية على قواعد علمية ومستقبلية، كان يوصف بعقلية رجل الدولة البعيد كلياً عن ثقافة البروباغندا وعن ثقافة الاثارة.
وجوه كثيرة عرفها الموقع، وتراوحت بين ألواح الخشب وألواح التنك. قلة من الرؤساء حاولت أن تواجه دولة المافيا داخل الدولة، أو دولة الطائفة، داخل الدولة.
ربما كان خطأ الجنرال الذي وصل الى القصر عبر تسويات حولته الى رهينة بين براثن الطبقة السياسية، أنه كان يجر جبران باسيل أمامه. سوبر رئيس وميني رئيس. الخطأ القاتل للاثنين معاً. من من الساسة، وحتى من العامة، ليس نرجسياً بصورة أو بأخرى؟
لا نتصور أن الكلام صحيح بكون البلاط السعودي أبلغ من يعنيهم الأمر «اما جعجع أو لا رئيس للجمهورية». ولكن، هل يريد السعوديون رئيساً سعودياً بعدما كانوا يشتكون من «الرئيس الايراني» للبنان، ليكون الخراب فوق الخراب، أو، على الأقل، امتداداً للخراب.
وكنا قد ذهبنا بعيداً في التفاؤل حين راهنا على تفاهم أميركي ـ سعودي ـ ايراني حول لبنان الذي يفترض أن يكون مكاناً للالتقاء لا حلبة للصراع. على كل هذا الرهان لا يزال نافذ المفعول اذا ما أخذنا بالاعتبار الاتصالات الفرنسية، كورقة وحيدة، وأخيرة، لتفادي ما هو أشد هولاً أمام أي خطوة ناقصة أو… ضائعة!
لا أحد من الأوليغارشيا السياسية يمكن له أن يقود مسيرة الخلاص من ثقافة المافيات، ومن ثقافة الطوائف، وقد رأينا، ونحن نرى، على الأرض محاولات الاستقطاب الطائفي بأبشع وجوهه، وعى أساس تحويل كل طائفة الى مستوطنة تابعة لدولة، أو لدول، أخرى.
هذا يضعنا أمام احتمالات في منتهى الحساسية، والى حد الخشية من العودة الى منطق الكانتونات (أو الغيتوات) التي تعتي، تلقائياً، العودة الى منطق الخنادق. لا رئيس في الأفق، ولا بعد الأفق، يستطيع أن يصل الا عبر ديبلوماسية الدهاليز، ليحكم، أو ليمارس صلاحياته، بطريقة اللدهاليز.
أصدقاؤنا الفرنسيون، وهذا ما يصل الينا عبر القنوات الديبلوماسية، أو عبر القنوات الاعلامية, ينصحوننا بالواقعية، والتوافق على رئيس لا يحكم بعقلية الشخص (أنا أو لا أحد)، أو بعقلية العائلة، أو بعقلية الطائفة. لنبدأ البحث، ومرة اخرى، عن تلك اللشخصية المستحيلة لمهمة مستحيلة…
ربما من أطرف ما تناهى الينا أن القصر، في عهد الاصلاح والتغيير، تحول الى مضرب للقبيلة. خيمة من وبر الماعز في صحراء!
لم يعد سراً أن هناك من أقنع الجنرال، وبلهجة عالية، بأن يغادر القصر دون أن يعتمد سياسة حرق المراكب (واحراق البلد) باصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة لتدخل البلاد في فراغ أبوكاليبتي ويفتح أبواب النهاية.
هكذا قيل إن فخامة الرئيس اصرّ، حتى اللحظة الأخيرة، على جرّ جبران باسيل أمامه. لا حكومة الا بشروط الصهر العزيز، ولا رئيس للجمهورية الا الصهر العزيز. في هذه الحال، ماذا يبقى من هذا الجنرال… للتاريخ؟
في نهاية المطاف، لندع الآخرين يختارون رئيساً تحت شعار «صنع في لبنان» وان وصل الينا، مثلما تصل الينا كراتين الاعاشة.
ماذا يقول، في هذه الحال، صندوق النقد الدولي، وقد صرخ في وجه كل أركان المنظومة السياسية «أيها السلاحف»، حتى أن أحد خبراء الصندوق لم يتردد في القول لوزير معني «حقاً، لن نجد مثلكم ولو في جهنم». لن يروا لا مثل هؤلاء ولا… مثلنا.