حصة لعكار: غرق الأمّ وأطفالها الأربعة
هي الفاجعة نفسها التي أدمت قلوب العكاريين في عام 2014 يوم استقبلت بلدة قبعيت 16 جثماناً عادت من بحر أندونيسبا أثناء محاولة بلوغ أوستراليا، تتكرّر في بلدة القرقف في جرد القيطع. فقد فجعت البلدة أمس بوفاة عائلة التلاوي (الأم سلمى وأطفالها الأربعة: مايا (11 سنة)، مي (8 سنوات)، عمار (6 سنوات)، محمود (4 سنوات)، فيما نجا الوالد وسام التلاوي (37 عاماً) من الموت بعد إنقاذه مصاباً بكسور بليغة في مختلف أنحاء جسده.
يحتار الجد أبو علي التلاوي ماذا يفعل وهو المفجوع بابنته وأحفاده. للعائلة سمعة حسنة وهو صاحب محالّ ميكانيك السيارات في منطقة بحنين، «أوضاعنا المادية جيدة وعمدنا مراراً إلى منع وسام من المغادرة عبر البحر. وبعد أربع محاولات فاشلة، غادر في المرة الخامسة من دون علمنا ومن دون أن نودعهم حتى، وكانت الفاجعة بعد خمس ساعات من انطلاق المركب فجر الثلاثاء الفائت». ويضيف: «وقع خلاف بين وسام وبين عمه الذي منعه من بيع ممتلكاته والسفر، لكن تبيّن لاحقاً أن وسام باع منزله في طرابلس بقيمة 20 ألف دولار، وتنازل عن قطعة أرض ومنزل يملكهما في البلدة بقيمة تقارب الـ 50 ألف دولار لدى الكاتب العدل لمصلحة السمسار فور بلوغه إيطاليا، للأسف ضاعت العائلة وضاع كل شيء».
لم يكن وسام يعاني الفقر والعوز، وهو موظف في إحدى الشركات ولديه بعض الأملاك في البلدة، لكنه أراد البحث عن حياة لائقة لعائلته، أراد الأمان والاستقرار وفضّل المجازفة على الرضوخ لنصائح عمه والعائلة، وكانت النتيجة مأسوية للغاية.
البلدة الهادئة التي لم يكن أحد ليسمع بها لولا هذه الكارثة الإنسانية، انهمكت أمس في إدخال الجثامين عبر معبر العريضة الى جبانة البلدة، حيث شيّعت الطفلتان (مايا ومي) ظهر أمس، فيما أُدخل أحد الشقيقين (عمار ومحمود) مساء من سوريا الى لبنان ولا يزال البحث جارياً عن الثاني لصعوبة التعرف إلى هوية الضحايا.
تجربة لن أكررها
«فعلتها سابقاً ولن أكرّرها على الإطلاق»، يقول ع. طالب من بلدة ببنين، ويروي كيف غادر منذ سبعة أشهر مع أحد المهرّبين السوريين وبشكل سري للغاية، «تم نقلنا ببوسطة مغلقة الى شاطئ أنفة ووصلنا الى إيطاليا في قارب يرثى له بخلاف الوعود التي كانت قد أغدقت علينا، مقابل مبلغ 100 مليون ليرة، ومن ثم توجهت الى ألمانيا وما قدمته لنا الدولة الألمانية لن نجده في لبنان طوال حياتنا، لكن الوضع في لبنان لا يحتمل. لديّ خمسة أطفال واضطررت للعودة لتأمين قوتهم اليومي بعدما تبيّن لنا أن الحصول على الجنسية شبه مستحيل». يتابع «نحن ضحية تجار البشر، وما يجري فعلاً مخيف. هناك شبكة منظّمة تعمل على التغرير بالشبان وتفرش الدنيا وروداً وهي في الحقيقة جهنم».
محاولات طبيعية!
النزوح والهجرة أمر طبيعي بالنسبة إلى العديد من أهالي بلدات ساحل وجرد القيطع، ومنها مثلا بلدات: مشمش، قبعيت، حرار، ببنين، عين الذهب، فنيدق وغيرها… ولطالما عرف أهالي تلك البلدات والمغتربين منهم طرقاً التفافية للوصول إلى الجهة التي يقصدونها، بعد رفض تأشيراتهم القانونية. فبالإضافة إلى أندونيسيا وماليزيا، هناك خط تركيا واليونان للوصول إلى السويد، لكن لم يسجل في تاريخ تلك البلدات أن حصلت مجازر كتلك التي حدثت في عام 2014، أو كما يجري هذا العام، إذ لا يمرّ يوم من دون تسجيل حدوث محاولة هرب عبر البحر من دون أي اعتبارات.
ويدعو إمام بلدة القرقف الشيخ أحمد الرفاعي الناس إلى «أخذ العبرة وعدم المقامرة بأرواحهم وأرواح أطفالهم، كي لا تكون النتيجة مؤلمة ومفجعة وهي خسارة كل شيء».