لم يأبه ركّاب القارب الغارق قبالة شواطئ محافظة طرطوس، بالخطورة التي تشكّلها أمواج البحر في أول أيام الانقلاب الخريفي، والذي عادة ما ترتفع فيه الأمواج إلى مستويات عالية، تشكّل خطراً على حياة كلّ راكبي البحر. هي المحاولات الأخيرة للحاق بآخر الرحلات البحرية غير الشرعية للقوارب الصغيرة، قبل أن يداهمها فصل الشتاء، وتتأجّل أحلام الراغبين بالهجرة إلى أوروبا نحو عامٍ كامل.
في طرطوس التي هبّت للمساعدة في العثور على ناجين، يأتي غرق المركب اللبناني قبل مرور أسبوع على حادثة فقدان المهندس السوري محمد برجس طفليه وزوجته في حادث غرق قارب مهاجرين قبالة السواحل اليونانية، مع مجموعة من العائلات السورية الأخرى. المأساةُ التي عاشها برجس في اليونان، تكرّرت مع الشاب اللبناني وسام تلاوي (37 عاماً) الذي فقد التواصل مع زوجته وأولاده الذين كانوا على متن القارب، قبل أن يغرق، وها هو الآن ينتظر معرفة مصيرهم (أعلنت وفاتهم). يقول تلاوي في حديث إلى «الأخبار» إن «رحلة القارب بدأت من «المينا» في طرابلس، يوم الثلاثاء، وبعد ثلاث ساعات اختلّ توازن القارب، وبدأت أمواج البحر تتقاذفه باتجاهات مختلفة». وبحسب تلاوي، فقد تقاذفت الأمواج المرتفعة القارب لـ»أكثر من 48 ساعة، وسط حالة من الرعب والهلع عاشها كلّ من كان على متن القارب من رجال ونساء وأطفال». ويكشف أنه «لم يعلم بمكان غرق القارب إلا بعد وصوله إلى مستشفى الباسل في مدينة طرطوس»، وحينها أدرك أن القارب غرق في المياه السورية، لافتاً الى أنه «فقد الاتّصال بزوجته وأطفاله»، ولا يريد شيئاً في هذه الحياة «إلا رؤيتهم بين الناجين».

ولم تستطع فرق الإنقاذ السورية تحديد العدد النهائي لضحايا غرق القارب، مع نجاحها في إنقاذ حياة 20 فرداً، فيما أعلن وزير الصحة السوري حسن الغباش أن عدد الضحايا ارتفع حتى ساعات المساء إلى 77 حالة وفاة، مع تقديرات أن العدد الفعلي للركاب يقارب المئة راكب.
وفي هذا السياق، يؤكّد وزير النقل السوري، زهير خزيم، في تصريح لـ«الأخبار»، أن «الوزارة، وعبر المديرية العامة للموانئ البحرية، وضعت كل الإمكانات المتوافرة لديها لإنقاذ ركاب القارب الغارق، بعد وصول معلومات عن وجود ضحايا على امتداد شواطئ محافظة طرطوس، وذلك من خلال استخدام زوارق كبيرة وأخرى مجهّزة بتجهيزات فنّية خاصة للبحث عن ناجين من الغرق»، موضحاً أن «مساحة البحث واسعة وكبيرة، وهي على امتداد كامل شاطئ طرطوس. والأحوال الجوّية أدّت إلى دفع عدد من الجثث نحو أكثر من اتجاه، ما جعل مهمّة البحث والإنقاذ أصعب». ويلفت الوزير السوري إلى أن «التواصل قائم على مدار الساعة مع الجانب اللبناني، ومع وزير النقل اللبناني علي حميّة تحديداً، لمتابعة عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث والبحث عن ناجين».

من جهته، يوضح مدير الموانئ البحرية السورية، العميد سامر قبرصلي لـ«الأخبار» أن «فرق الإنقاذ تمكّنت من إنقاذ 20 شخصاً، فيما يستمرّ العثور على غرقى»، لافتاً إلى أن «عدد الركاب في القارب غير معلوم، وسط تضارب في شهادات الناجين عن العدد الذي تفاوت بين 80 و150». ويؤكد قبرصلي أن «القارب غير مؤهّل لحمل هذه العدد من الركاب، والسير في المياه الدولية».
وتُعدّ حادثة الغرق هذه، وحوادث الغرق المشابهة، شكلاً من أشكال المأساة التي تحلّ بالمهاجرين. حيث يقضي منهم في الغابات الأوروبية، أو في حوادث السير، أو الاختناق داخل شاحنات مخصّصة لنقل الترانزيت… فمنذ نحو شهرين، فُجعت محافظة الحسكة بفقدان الطبيب عبد القادر قلعجي، إثر إصابته بأزمة قلبية خلال المسير في غابات هنغاريا في طريقه للهجرة إلى ألمانيا، وهو ما حصل أيضاً مع الشاب عبود الزيدان، الذي فقد حياته في غابات اليونان.