لماذا يركبون البحر وهم يعرفون أنهم سيموتون؟
سؤال بديهي، طُرح أمس وسيُطرَح مجدداً. لكنه لمن يعلم، قد يكون أسهل طريقة للهروب من المسؤولية، وعدم مواجهة المزيد من مشاهد الموت التي تتربّص بالمقيمين في لبنان، على اختلاف أشكالها: قتلاً نتيجة إطلاق نار، أو حادث سير، أو انقطاع دواء، أو طرد من على باب المستشفى، أو…
وكما يُطرح السؤال عن مسؤولية الدولة عن الطبابة والطرقات والأمن، يُفترض أن يُطرح عن مسؤوليتها في ملاحقة تجار البشر. هؤلاء الراقصون على الأموات، الذين لا يتركون وسيلة ترغيب إلا يلاحقون بها ضحاياهم. حتى الموت زيّنوه لهم، فصاروا يحفظون مبرّرات كثيرة للاستمرار في المغامرة ولو كلّفتهم حياتهم، وصار الموت الجماعي غرقاً «كالخسّ في السوق كدّسه البائعون» إذا استعرنا الشاعر الفلسطيني الراحل مريد البرغوثي.
لا، لا يفضّل أهالي طرابلس الموت على ما آلت إليه ظروف الحياة في لبنان، وإن عبّروا عن ذلك في لحظات الضيق. هناك، في المدينة الجميلة قلباً وقالباً، يتحدّث الأهالي عن مراكب هجرة غير شرعية تنطلق يومياً. وعن سماسرة وتجار بشر يتلاعبون بمشاعر الناس، ويزيّنون لهم الأحلام، وعندما يُقبض عليهم تتعدّد وسائل خروجهم. هؤلاء مسؤولون، كما الدولة، عن أرواح لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، حاولوا الخروج في فسحة «على موج البحر»