كارل قربان
ورأت أوساط سياسيّة أنّ زيارة بخاري وغريو لرئيس الحزب “التقدميّ الإشتراكيّ” وليد جنبلاط تحمل دلالات مهمّة، أبرزها إعادته إلى صفوف “المعارضة” التي أثبتت للخارج والخصوم من 8 آذار أنّها قادرة على توحيد صفوفها، فكانت “بروفا” تعطيل نصاب جلسة مناقشة وإقرار الموازنة أوّل خطوة في هذا المجال. كذلك، فإنّها أظهرت تضامناً لافتاً مع قوى مسيحيّة مناهضة لـ”حزب الله“، عبر الحضور في إحتفال الذكرى الـ40 لاستشهاد الرئيس بشير الجميّل في الأشرفيّة.
وتقول الأوساط إنّ الحركة الفرنسيّة – السعوديّة تجاه جنبلاط هدفها أنّ تكون أصوات كتلته النيابيّة لصالح مرشّح “المعارضة”، وخصوصاً بعد توقّف اللقاءات بين “زعيم المختارة” ووفد “حزب الله“، وبروز أصوات من كتلة “اللقاء الديمقراطيّ” رافضة للتصويت لأيّ مرشّح قد يطرحه فريق الثامن من آذار رسميّاً. ورغم أنّ التقارب بين معراب والمختارة تراجع، مع غياب الوفود النيابيّة الإشتراكيّة عن زيارة رئيس “القوّات” سمير جعجع، إضافة إلى رفض جنبلاط تأييد أيّ شخصيّة صداميّة وتواجهيّة لرئاسة الجمهوريّة، في إشارة إلى جعجع، يرى مراقبون أنّ هناك إجماعاً إيجابيّاً بين “القوّات” و”التقدميّ” على منع وصول مرشّح “الثنائيّ الشيعيّ”، وهذه نقطة أساسيّة ستلعب دوراً حاسماً لـ”المعارضة”.
وفي السيّاق عينه، فإنّ الحركة السعوديّة المكوكيّة على أفرقاء “المعارضة” يُؤمل منها الإستفادة من تشرذم كتل 8 آذار، وبشكل خاصّ بعد الخلاف بين “التيّار الوطنيّ الحرّ” و”الثنائيّ الشيعيّ” حول مواصفات المرشّح الرئاسيّ. فالنائب جبران باسيل لن يدعم إلّا شخصيّة ممثّلة مسيحيّاً ونيابيّاً، في دلالة عن نفسه، بالإضافة إلى أنّ الجوّ العامّ في تكتّل “لبنان القويّ” مُؤيّد فقط لباسيل في الوقت الراهن، في ظلّ عدم التوصّل لاتّفاق صريح مع رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة بشأن المرحلة المقبلة، ورفض الأخير، بحسب مصادر، أنّ يسير بما يشترطه باسيل عليه.
ويلفت مراقبون إلى أنّ السعوديّة تُريد الإستفادة من الخلاف داخل 8 آذار، عبر توحيد الصفات الرئاسيّة في خندق “المعارضة” وصولاً إلى الإتّفاق سريعاً على إسم المرشّح الذي سيجمع “القوّات” و”الكتائب” ونواب “17 تشرين” و”اللقاء الديمقراطي” وبقيّة الكتل النيابيّة. من هنا، فإنّ المملكة تُعطي أهميّة أيضاً لاجتماع دار الفتوى يوم غدّ، وإمكان توحيد النواب السنّة حول مواصفات المرشّح الرئاسيّ على الرغم من صعوبة هذا الأمر، لتموضع كلّ نائبٍ سنّيٍ في فريقه السياسيّ.
في المقابل، يصطدم الطموح السعوديّ – الفرنسيّ بتأمين النصاب الذي هو سلاح لـ”الثنائيّ الشيعيّ”، كما لـ”المعارضة”. ويعتبر مراقبون أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي لن يدعوَ إلى جلسة إنتخاب طالما فريقه السياسيّ لم يتوصّل بعد إلى إسم مرشّحه الجامع وتأمين الأرضيّة لانتخابه. ويُضيف المراقبون أنّ “حزب الله” ومعه “حركة أمل” سيمنعان بدروهما إنتخاب مرشّح “القوى السياديّة” من خلال الدعوة للجلسة، فالرئيس برّي أعلن خلال مناقشة الموازنة أنّه ينتظر التوافق أوّلاً، في دلالة واضحة على أنّ الإنتخابات الرئاسيّة معلّقة، إلى حين التوصّل لتسويّة بين مختلف الأفرقاء، وفي ظلّ إمتناع “المعارضة” عن تأييد أيّ شخصيّة “ممانعة”.
وتُشير الأوساط السياسيّة إلى أنّ السعوديّة وفرنسا والولايات المتّحدة الأميركيّة لا ترى أيّ نهوض للبنان سوى بوصول رئيسٍ معارض لـ”حزب الله“، كيّ لا تتكرّر تجربة الرئيس ميشال عون و”العهد” التي لم تُطبّق فيها الإصلاحات، ولم يلتزم فيها لبنان بتوصيّات المؤتمرات الدوليّة، ما أدّى إلى إنهيار الوضع الإقتصاديّ والماليّ والمعيشيّ، والدخول في فراغات دستوريّة وتعطيل للحياة السياسيّة وعدم تشكيل الحكومات.
ويختم مراقبون أنّ الدول العربيّة والغربيّة تُولي أهميّة بأنّ يكون الرئيس المقبل مُطبّقاً لاتّفاق الطائف وللقرارات الدوليّة، وقادراً على ضبط الحدود وإعادة قرار الحرب والسلم للدولة اللبنانيّة فقط. ويُتابعون أنّ السعوديّة لم تتحرّك قبل الإنتخابات النيابيّة، وكانت مراقبة لنتائجها ولخيار اللبنانيين. وبعدما صوّت المقترعون لنواب “التغيير” و”السياديين” وأفقدوا “حزب الله” الأكثريّة، رأت المملكة أنّ باستطاعتها العودة للعب دورها الرياديّ، وأوّل مهمّة لها ستكون بالمساهمة في إيصال مرشّح رئاسيّ “سياديّ” قادر على وضع لبنان على الخريطة العالميّة، وإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه مع الدول الشقيقة.