تكثر السيناريوات والتحليلات حول يوم 31 تشرين الأول، فهذا اليوم يُجسّد نهاية عهد كاد يودي بالبلاد نحو الدمار الشامل.
إذا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حسم قراره بالنسبة إلى ما سيفعله في 31 تشرين، إلّا أنه يُبقي الغموض سيّد الموقف وذلك للّعب بأعصاب الجميع من دون استثناء، فمعروف عن عون أنه رجل المفاجآت والمغامرات، حتى يذهب البعض إلى القول «إنه يُشعل البلد من أجل أن يولّع سيجارته… أو سيغار صهره»، وبالتالي فإن كلّ الإحتمالات مفتوحة على مصراعيها.
وربما تكون تجربة 1990 من أكثر التجارب التي يتذكّرها اللبنانيون، عندما تمرّد عون على الشرعية وحاول الإنقلاب على «اتفاق الطائف»، وأشعل حربي «التحرير» و»الإلغاء» حتى أتت النهاية المشؤومة في 13 تشرين 1990.
هذا في السابق، أما اليوم فإن دخول عامل صهره رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل على الخطّ ومحاولة عون تأمين مستقبله السياسي قد يزيد من فتيل التفجير، إذ إن أحداً لا يستطيع أن يحسب إلى أين قد يصل مستوى «الجنون» وجرّ البلاد إلى مغامرات لا تُحمد عقباها. لكن ما بين 1990 و2022 فرق شاسع، يومها كان عون بنظر كثر المخلّص، المُخلّص من الميليشيات ومن الإحتلال السوري ورجل الدولة والإصلاح والتحدّي، وبعد 6 سنوات حُكم، بات عون بنظر الأغلبية الساحقة من اللبنانيين الرئيس الذي تربّع على عرش أسوأ عهد، فالحاضنة الشعبية والتبرّع بالأموال والذهب والخواتم لم تعد موجودة، ونظرية المخلّص فُضحت وانكشف العهد ورجالاته على حقيقتهم.
والأهم من هذا كلّه أن عون فقد أهم أداة حكم وهي الجيش اللبناني، ففي تلك المرحلة كان عون يمثّل الشرعية، بينما اليوم هو ممثل «دويلة» سلاح «حزب الله»، والجيش ليس معه.
ومن يتابع مجرى الأمور يكتشف أن العلاقة بين قيادة الجيش ممثلةً بالعماد جوزاف عون وبين الرئيس عون وصهره باسيل ساءت منذ نحو 3 سنوات، وقد انفجر الوضع بينهما خلال إنتفاضة 17 تشرين 2019 يوم طلب عون وباسيل من العماد جوزاف عون قمع الإنتفاضة وفتح الطرق بالقوة فأتى الرفض من قائد الجيش تحت شعار «الجيش اللبناني هو جيش الشعب وليس جيش نظام ولن يكون أداة لقمع شعبه وقتله، بل إنه يحمي حق الناس بالتظاهر والإعتراض السلمي ويحمي الأملاك والمؤسسات العامة والخاصة».
مرّ على وزارة الدفاع عدد كبير من وزراء الدفاع، لكن من المرّات القليلة التي حصل تصادم بين القيادة والوزارة كانت خلال تولي الياس بو صعب وزارة الدفاع حيث كان يُنفّذ الأخير سياسة باسيل وحاول التحكّم بالجيش، لكن قائد الجيش لم يرضخ وحافظ على إستقلالية المؤسسة العسكرية. قاتل عون بين أعوام 1988 و1990 بالجيش اللبناني واستخدمه لخدمة مشاريعه، لكن الجيش في هذه المرحلة بالتحديد ليس أداة بيد عون الرئيس خصوصاً أن الحاضنة الدولية تصرّ على تحييد المؤسسة العسكرية عن الصراعات السياسية وغير مستعدّة لتغطية أيّ إنقلاب أو تمرّد، فحتى الحرس الجمهوري بأغلبية عناصره وضباطه قد يعصي أوامره، مع العلم أن قائد الحرس الجمهوري في إجازة تمتدّ حتى نهاية عهد عون لأنه لم يعد يحتمل سلوكيات قاطني القصر.
من جهة ثانية، ففي عام 1990 كان الشعب والناس والعسكر مستعدّين لفداء عون بأرواحهم، في حين أن الجيش اليوم يذهب إلى الخدمة مرغماً بسبب الأوضاع الإقتصادية التي أوصله إليها العهد، بينما الشعب كشف زيف كل الطروحات والشعارات التي أُطلقت وهو يعدّ الساعات لانتهاء هذا العهد.