مضت ثلاثة أشهر على تعهُّد رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية في رام الله، ظافر ملحم، بإصدار بيان للرأي العام حول اتفاقية الغاز التي وقّعتها السلطة الفلسطينية في منتصف حزيران الماضي، مع «الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية» (إيجاس)، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، من دون أن يَصدر البيان الموعود إلى الآن. ومنذ اكتشاف حقل «غزة مارين 1» في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وتوقيع الرئيس الراحل، ياسر عرفات، اتّفاقاً مع شركة «بريتش غاز» البريطانية لمباشرة أعمال التنقيب، ثمّ توقّف المشروع مع اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية، ثمّ عودة الحديث عن التنقيب مع إعلان شركة «بريتش غاز» عام 2005 خطّتها لحفر بئرها الثالثة «غزة مارين 3» الواقعة قُبالة شواطئ غزة الشمالية، بقي ملفّ الغاز أشبه بـ«صندوق أسود»، لا يُسمح لأحد بالاقتراب منه. وفي هذا الإطار، تؤكّد ليلى أبو غالي، المدير العام لفلغاز والبترول في سلطة الطاقة في غزة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «صندوق الاستثمار الفلسطيني يحتكر المعلومات حول هذا الملفّ، فيما لا تمتلك سلطة الطاقة أيّ تحديث جديد غير ما هو منتشر عبر الإنترنت».
وعلى رغم أن «اتفاق أوسلو» ينصّ على أنه يحقّ للسلطة الفلسطينية التنقيب عن الثروات الطبيعية في البحر، كما أن فلسطين ومصر واليونان أعضاء في «منتدى غاز شرق المتوسط»، إلّا أن إسرائيل تمنع بقوّة البلطجة أيّ خطوات فلسطينية لبدء الاستخراج، وتُبقي على حضور السلطة في «المنتدى» شكلياً. على أن الخبير الاقتصادي، سمير الدقران، يعتقد أن «السلطة أخفقت بدورها في إدارة ملفّ الغاز»، مبيّناً في حديث إلى «الأخبار» أن «قانون الأمم المتحدة ينصّ على أنه لا يجوز لسلطة الاستعمار أن تستولي على الثروات الطبيعية التي يجب أن تعود فوائدها على الشعب المحتلّ (…) لكنّ السلطة الفلسطينية لم تطرح هذا الملفّ بشكل جدّي في المحافل الدولية، بل بقيت متفرّجة أمام مساعي إسرائيل للحصول على منفذ لتصدير الغاز الفلسطيني إلى أوروبا، عبر توقيع الاتفاق الثلاثي منتصف حزيران الماضي، من دون أن تكون رام الله جزءاً منه». وينصّ اتفاق حزيران «التاريخي» على نقل الغاز من إسرائيل إلى محطّات إسالة في مصر (إدكو ودمياط في الشمال)، ومن ثمّ شحنه شمالاً إلى أوروبا، وهو ما تأْمل دولة الاحتلال أن يضاعِف إنتاجها من الغاز الطبيعي ليبلغ 40 مليار متر مكعّب.
وبالعودة إلى تصريح ملحم الغامض والمقتضب، فإن شكوكاً كثيرة تحيط بموقف السلطة من الاتّفاق المذكور، ولا سيما أن توقيعه تزامَن مع الإفراج عن المنحة الأوروبية السنوية للسلطة – بعد عام ونصف عام من تَوقّفها -، والمُقدَّرة بـ600 مليون يورو سنوياً. وتنصّ الاتفاقيّات المُوقَّعة بين السلطة وشركات الاستخراج طوال العشرين عاماً الماضية، على استفادة الأولى من عائدات قدّرتها تقارير صحافية استندت إلى معلومات شبه رسمية، بما بين 10% و27.5% من قيمة ما يتمّ استخراجه. غير أن الاتفاق الأخير لم يتضمّن أيّ إشارة حتى إلى تلك النسب الضئيلة، بل دار الحديث فقط عن استئناف الاتحاد الأوروبي مساعداته السنوية، بالإضافة إلى تعهّد شفهي منه بدعم الحقوق السياسية للفلسطينيين، إلى جانب الضغط لتخصيص جزء من الغاز المستخرَج لتشغيل محطّات توليد الكهرباء في غزة وجنين، مع العلم أن هذه الكمّيات لن تأخذها السلطة بالمجّان، بل ستُباع لها بسعر تفضيلي، في مقابل التزامها بـ«ميثاق دول غاز شرق المتوسط»، ومنه أن لا تعترض على أيّ تحرّكات تجري في المنطقة، وتحديداً في ما يتعلّق ببدء عمليات التنقيب واستخراج الغاز الطبيعي من حقل «مارين» قبالة سواحل غزة، وحقل «رنتيس» غرب رام الله، وأن لا تثير أساساً ملفّ حقها في الطاقة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ودائماً ما اكتفت السلطة بدور المتفرّج السلبي على سرقة الثروات الوطنية، إذ لم تُطالب في أيّ من المحافل الدولية بحقوق الفلسطينيين من الغاز، كما لم تَطلب أساساً من أيّ شركة أو حكومة إجراء مسح جيولوجي للكشف عن الثروات المهولة الموجودة في شواطئ القطاع. وممّا زاد الطين بلّة، توقيعها عام 2015 اتّفاقاً مع إسرائيل، نصّ على تزويد «شركة توليد الكهرباء الفلسطينية»، بالغاز من حقل ليفياثان الإسرائيلي لمدّة عشرين عاماً، قبل أن تُسارع إلى الغائها بدعوى أن جزءاً من الغاز كان سيتمّ استخراجه من حقول غزة. ويلفت الباحث الاقتصادي، فراس أحمد، إلى أن «الجمهور الفلسطيني كان دائماً آخر مَن يعلم باتّفاقيات السلطة عموماً»، مضيفاً في تصريح إلى «الأخبار» أنه «خلال سنوات من البحث، حاولْت الوصول إلى أيّ معلومات من صندوق الاستثمار الفلسطيني حول صفقات الغاز، وكذلك فعلْت عندما وُقّع الاتّفاق الثلاثي في حزيران، إلّا أن كلّ محاولاتي لم تَقُد إلى أيّ نتيجة، إذ إن هذا الملفّ شديد الحساسية، وتتعامل معه السلطة بالعموم بسرّية تفوق تلك التي تحيط بها الدول مشاريعها النووية». وفي الاتّجاه نفسه، يكشف مصدر مطّلع، في حديث إلى «الأخبار»، أن «تعامُل السلطة مع حقول غزة البحرية، خصوصاً بعد الانقسام عام 2007، قائم على اعتبار تلك الحقول خارج حدود سيطرتها وصلاحيّتها، ولذا، فهي تكتفي باستخدامها كورقة للمساومة والضغط، لتحصيل بعض العمولات التي لا يُعرف طريقها، أو الإفراج عن الأموال المحتجَزة وتحسين مستوى الهِبات والمساعدات الدولية».