إذا كانت فُرصة الحكومة التابعة لحركة «حماس» في قطاع غزة، للبدء بعمليات تنقيب عن الغاز حتى في الحقول التي لا تَبعد عن الشاطئ أكثر من 300 متر، تبدو معدومة، في ظلّ قدرة الاحتلال على وأْد أيّ جهود كهذه حتى قبل أن تنطلق، وغياب أيّ إمكانية لعقْد شراكات مع شركات دولية من دون وجود غطاء شرعي معترَف به، وأيضاً موافقة إسرائيلية على ذلك، فإن الواقع من الناحية العسكرية لا يبدو بالقتامة نفسها، خصوصاً أن معركة «سيف القدس» حملت مؤشّرات إلى ما يمكن أن يستبطنه هذا الواقع من فُرص. وإلى ما قبْل تلك المعركة، كان الحديث الإسرائيلي عن محاولة المقاومة في غزة امتلاك قطع بحرية مسيّرة، في إطار التوقّعات، التي سرعان ما ثبتت صحّتها مع إعلان جيش الاحتلال، أثناء المواجهة، تمكُّنه من «تدمير قطعة بحرية كانت في طريقها إلى استهداف أحد الأهداف الحيوية».
هنا، يَبرز اسما الشهيدَين محمد جمال أبو سمعان، ومحمد حسن أبو سمعان، اللذين قضيا خلال تواجدهما في منتجع «مالديف غزة» خلال مواجهة أيار 2021، أثناء محاولتهما تنفيذ أوّل عملية بحرية عن طريق قطعة مفخّخة يتمّ التحكم فيها عن بُعد. وسبق لحركة «حماس» أن أعلنت أن المهندس التونسي، محمد الزواري، الذي اغتالته إسرائيل في منتصف كانون الأول 2016، هو مَن ساعد الحركة في تصنيع غوّاصات غير مأهولة. وإذ لم يُكتب النجاح حتى اليوم لأيّ عملية باستخدام تلك القطع، فإن صحفاً إسرائيلية قدّرت أن القارب الذي حرّكته «كتائب القسام» العام الماضي، مُسيَّر عن بُعد، ويحمل 50 كليوغراماً من المتفجّرات، وكان يقصد استهداف منصّة استخراج الغاز الإسرائيلية في حقل «غزة مارين 1». وعلى رغم أنه أخطأ هدفه، إلّا أن إطلاقه دفَع سلطات الاحتلال إلى «وقْف المنصّة عن العمل بقرار من وزير الطاقة الإسرائيلي»، وفق ما ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» آنذاك. كذلك، أعلن قائد سلاح البحرية الإسرائيلي، إيلي شارفيت، أنه «تمّت تصفية قادة كبار في الذراع البحرية لحماس، بينهم قائد وحدة الكوماندوز البحرية، واستهداف قوارب وزوارق ومواقع لتخزين الأسلحة البحرية». وفي المقابل، نجحت المقاومة في استهداف حقل «تمار» النفطي القريب من شواطئ عسقلان، بوسائط اختُلف حول تحديد كُنهها، بين أن تكون طائرات مسيَّرة انتحارية، أو صواريخ.
ما الذي تستطيع المقاومة فعله؟
من ناحية اقتصادية، يرى الخبير الاقتصادي، أحمد أبو قمر، أن مطالبة المقاومة بحق الفلسطينيين من الغاز الطبيعي، تنطوي على رسالة مدروسة، وهي «القدرة على تعطيل البيئة الآمنة التي تحتاج إليها شركات التنقيب لبدء العمل، ولا سيما أن الاستثمارات الكبيرة المستدامة مثل حقول الغاز، تتطلّب ضمانات لا ريب فيها بتوفُّر هدوء مستدامٍ لسنوات»، مضيفاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «لا يمكن أن تعمل أيّ شركة دولية، أو حتى إسرائيلية في سواحل غزة، من دون ضمانات سياسية وميدانية وعسكرية، وطالما أن الطرف المقابل، أي المقاومة، ليسا شريكاً، ولم يعطِ ضمانات بعيدة المدى، فإن الغاز سيبقى حبيس الأرض». أمّا من ناحية عسكرية، فيَعتبر المحلّل السياسي، إسماعيل محمد، أن «كلّ المؤشّرات التي حملتها معركة سيف القدس، تقدّم دليلاً على أن المقاومة استطاعت بناء قوّة بحرية قادرة على فرض معادلاتها في ملفّ الغاز»، متابعاً، في تصريح إلى «الأخبار»، أنه «إذا كان ما أَجهض استهداف حقول الغاز في سيف القدس، هو خطأ تكتيكي ميداني، فإن القدرة على تلافي ذلك الخطأ وتأمين المجموعات على نحو أكثر فعّالية هو أمر متوفّر، ولا سيما أن المقاومة استطاعت خلْق حلول كهذه لمجالات أخرى مثل الصواريخ التي ذُخّرت في الأرض، ومدافع الهاون التي يَسهل استهداف مُطلِقيها». وينبّه محمد إلى أن «منصّات الغاز، وسفن النقل، وحقول التخزين، حسّاسة جدّاً لأيّ استهداف، لذا، فإنه إذا أثبتت الأيام أن القطع البحرية قادرة على الوصول إلى هدفها، فإن التأثير المتوقَّع هو تحصيل حاصل».