غزة | على رغم الجدل القائم حول فُرصة حصول غزة على حقوقها من الغاز، فإن ما هو مطروح من فرضيّات اقتصادية بشأن العائدات المادّية لهذه الثروة، يبدو جديراً بأن يسخَّن الميدان لأجله. ففيما يدور القطاع في حلقة مفرغة من الأزمات منذ 15 عاماً، في ظلّ اعتماده بشكل شبه كلّي في وارداته على الجباية المحلّية والمعونات الخارجية، تَطرح حقول الغاز نفسها بوصفها الحلّ الاستراتيجي الجذري الذي يمكن أن يعالج ما تراكَم من مشكلات خلال السنوات الماضية، بل وأن يوفّر حياة لائقة للأجيال القادمة؛ إذ إن أقلّ مستوى من العائدات من الممكن أن ينقل السكّان الذين تجاوزت نسبة البطالة في صفوفهم الـ50%، إلى مصاف العيش الكريم.
ووفقاً للخبير الاقتصادي، أحمد أبو قمر، فإن ما تمّ اكتشافه من احتياطات في بحر غزة، تَجاوز 1.3 تريليون قدم مكعّب، بحجم استثمارات تفوق 6 مليارات دولار، مع الإشارة إلى أن التنقيب والاستثمار سيُظهران كمّيات أكبر في ما لو تمّا. وتلك الكمّية قدّرها المسح الجيولوجي الأوّلي، الذي اكتُشف فيه حقلا «غزة مارين 1 و2»، علماً أن الأوّل يَبعد عن شواطئ القطاع 26 كيلومتراً، بعمق لا يتجاوز الـ600 متر تحت مستوى سطح البحر، ويضمّ 8 حقول متجاورة تقريباً، تُقدَّر كمّية الغاز المتوفّرة في ما هو مكتَشف منها بحوالي 12 تريليون متر مكعّب، توجد على عمق مغرٍ لعمليات الاستخراج، بالنظر إلى أن التكلفة المادّية للعملية محدودة. ويضيف أبو قمر، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الواردات الأوّلية التي تُقدَّر بـ6 مليارات دولار، تكفي لتسديد ديون السلطة الفلسطينية كاملةً، البالغة قيمتها 6.5 مليارات دولار، اقترضتْها من صندوق الاستثمار وعدد من البنوك المحلّية والمؤسّسات الدولية، وستظلّ تتحمّلها الأجيال المتعاقبة، إذ ستُدفع عاجلاً أو آجلاً من حصّة الفرد من الموازنة العامة».
ويستدرك الخبير الاقتصادي بأن «الواقع أكبر مما هو مكتشَف بكثير، إذ تَعوم غزة حرفياً على كنز مهول من الغاز الطبيعي، نحن نتحدّث عن كمّيات أكبر من تلك الموجودة في حقلَي كاريش وقانا، وأقلّ تكلفة في الاستخراج والتنقيب، لأن عمليات التنقيب أثبتت أنه كلّما توجّهت الحفريات إلى الجهة الأفريقية في بحر المتوسط، تضاعَفت كمّيات الغاز الموجود، وهو ما تُبيّنه إمكانات حقل ظهر المصري المكتشَف عام 2015 على بعد 200 كلم شمال بورسعيد، والذي يحوي 30 تريليون متر مكعّب من الغاز، ما يعني أن أيّ عملية تنقيب موسّعة ستكشف عن كنوز يسيل لها اللعاب». ووفقاً لأبو قمر، فإن مجرّد إعطاء امتياز لشركات التنقيب الدولية للعمل في بحر القطاع، يُلزمها بدفع مبالغ مالية من شأنها أن تُعدّل الميزان الاقتصادي لغزة، حتى قبل استخراج الغاز.
فرضيات اقتصادية
حين يتمّ الحديث عن حاجات غزة والضفة الغربية من الغاز الطبيعي السنوية، فإن النسبة لا تتجاوز 3% من الاحتياطات المكتشَفة حالياً (10 آلاف طنّ سنوياً). إلّا أنه بحسب «شركة توزيع كهرباء غزة»، فإن حاجات القطاع من الكهرباء قفزت خلال السنوات الماضية إلى 600 ميغاوات، بينما وصلت في ذروة فصلَي الشتاء والصيف إلى 670 ميغاوات، لكن ما تتسلّمه الشركة من مصادرها الأساسية، يصل في أحسن الظروف إلى 200 ميغاوات. ومن هنا، يتحدّث أبو قمر عن «حلّ كامل لأزمة الكهرباء، والحاجات المنزلية، وحتى استهلاك السيارات التي تعمل بالغاز»، فيما لناحية العائدات غير المباشرة، يمكن القول إن الانتفاع من الحقول القريبة من القطاع فقط ولو بشكل جزئي، عبر تخصيص نسبة من العائدات للإنفاق، من شأنه أن ينقل غزة من استجداء المِنح والمساعدات، إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي مالياً، بل وتحقيق فائض سينعكس على قطاع تنمية البنى التحتية.
بدوره، يعرب الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، عن اعتقاده بأن «كنوز غزة من الغاز تتكفّل، إذا ما تمّ استخراجها، بقلْب الواقع الاقتصادي للسكّان، على صعيدٍ أبعد من متطلّبات الحاضر وأزماته التي لا تقارَن بحجم الواردات المتوقّعة»، مستدرِكاً، في حديثه إلى «الأخبار»، بأن «استثماراً كهذا بحاجة إلى استعادة الوحدة الوطنية، كي ينتظم القرار الفلسطيني وفق استراتيجية موحَّدة لاستغلال تلك الموارد، ومن دون ذلك، ستنهب إسرائيل الغاز، بينما تُلهينا بفتات المساعدات الدولية وتصاريح العمل». كما أن ما هو مأمول، مرهون بقبول شركات التنقيب الدولية العمل في بيئة يحيط بها التهديد؛ إذ يستبعد مراقبون أن تسمح إسرائيل بتقديم امتياز كهذا لا للسلطة الفلسطينية ولا لـ«حماس»، بالنظر إلى أن ذلك من شأنه إجهاض التحكُّم الإسرائيلي بالاقتصاد الفلسطيني برمّته، وبالتالي إحراق إحدى أبرز أوراق الاحتلال الرابحة، والتي يستخدمها الأخير في تطويع القرار الفلسطيني لدى السلطة، وتقييد خيارات المقاومة في غزة – ولو جزئياً -.