غزة | لا يزال حلم قطاع غزة المحاصَر منذ قرابة 18 عاماً، بممرّ مائي يمكّنه من التواصل مع العالم الخارجي، حاضراً في ذهن الغزّيين الذين لم تتوقّف معاناتهم نتيجة لعنة الجغرافيا التي وضعَتهم بين فكَّي الاحتلال والمصريين في الجانب البرّي. وتجدّدت، أخيراً، آمال أبناء القطاع بأن يتمكّنوا من فرْض معادلة جديدة تتيح لهم استخدام البحر، بدعم مأمول من محور المقاومة، في ظلّ المعركة الجارية في البحر المتوسّط. على أن محاولات الفلسطينيين إحداث خرق في جدار هذا الحصار ليست جديدة، بل دائماً ما سعت المقاومة إلى وضع البند المذكور كشرط لتفاهمات إنهاء الجولات العسكرية، إلّا أن مساعيها وُوجهت في كلّ مرّة بتشدّد من قِبَل الاحتلال الذي منع وصول أو خروج أيّ سفن من القطاع إلى الخارج من ناحية، وماطل في تنفيذ أيّ تفاهمات متّصلة بالممرّ البحري، من ناحية أخرى.
كذلك، حاولت جهات إنسانية، مراراً، كسْر الحصار البحري على غزة، عبر تسيير قوافل إغاثية وإنسانية إلى القطاع، أبرزها «أسطول الحرية» الذي انطلق من عدّة موانئ أوروبية في 29 أيار 2010، مُحمَّلاً بعشرة آلاف طنّ من التجهيزات والمساعدات، والمئات من الناشطين، قبل أن تُهاجمه قوّات الاحتلال فجر الـ 31 من أيار، وتقْتل 9 من المتضامنين على متْنه، وتصيب أكثر من 26 آخرين. ومع ذلك، نُظّم أسطول آخر في عام 2011، وثالث في العام الذي يليه، إلّا أن سلطات العدو سيطرت في المرّتَين على السفن، وسحبتْها إلى الموانئ الإسرائيلية. وفي عام 2014، تضمّنت تفاهمات وقف إطلاق النار التي أعقبت معركة «العصف المأكول»، العمل على إقامة ميناء بحري يربط القطاع بالعالم الخارجي، إلّا أن هذا البند لم يسلك طريقه إلى التنفيذ. وتَكرّر، في أعقاب ذلك، الحديث في أغلب اللقاءات بين الوسطاء والمقاومة، عن الممرّ البحري، حيث كان الاحتلال يقدّم وعوداً كثيرة بخصوصه، إمّا بصورة رسمية أو عبر شخصيات إسرائيلية، وهو ما لم يترجَم على الأرض البتّة. وفي أيار 2018، حاول 17 مريضاً بالسرطان الخروج من غزة عبر البحر، ضمن ما أُطلق عليه «سفينة الحرية»، إلّا أن جيش العدو هاجم مركبهم، واعتقلهم جميعاً، وأعادهم إلى القطاع.
اليوم، يتجدّد الحديث مع الوسطاء حول الممرّ البحري، وفق ما يؤكد مصدر في حركة «حماس» لـ«الأخبار»، كاشفاً أنه «في ظلّ استمرار تعنّت الاحتلال، فإن الحركة تفكّر جدّياً في اتّخاذ خطوات جديدة، بالتعاون مع محور المقاومة، لجعْل هذا الممرّ أمراً واقعاً»، موضحاً أنه «مِن بين تلك الخطوات تسيير رحلات أو قوافل بحرية تحت حماية المقاومة وأدواتها العسكرية، ضمن معادلة “البحر مصدر للحرب”». كما يكشف المصدر أن «مباحثات عديدة جرت بين حركة حماس وأطراف في محور المقاومة خلال الفترة الماضية، حيث جرى التداول بإمكانية تكرار تجربة باخرة الوقود الإيرانية المخصَّصة للبنان، والتي وصلت إلى الموانئ السورية العام الماضي 2021»، مؤكداً أنه «في ظلّ تعمُّق العلاقات بين حماس ومحور المقاومة، فإن التفكير في فكّ الحصار عبر إقامة ممرّ مائي للقطاع، بات يُعدّ في غاية الأهمية، وقد دُرست كل السيناريوات والفرص والمخاطر، وكلّ هذا خلص إلى أنه يمكن الإقدام على خيار كهذا في الفترة المقبلة»، والقفز فوق الرفض الإسرائيلي والمصري لفكرة الممرّ المائي. والجدير ذكره، هنا، أنه فيما ينطلق الإسرائيليون في موقفهم من أبعاد أمنية وسياسية، يرى المصريون أن سيناريو كهذا سيؤدّي إلى تضرّر دورهم في غزة، وتراجُع مكانتهم كوسيط وراعٍ للقضية الفلسطينية.