عشيّة الأعياد اليهودية التي تبدأ الأسبوع المقبل، ترفع سلطات الاحتلال درجة تأهّبها في كلّ من الضفة الغربية والقدس المحتلّتَين، وسط توقّعات بموجة عمليات ومواجهات في القدس خصوصاً، على خلفية استفزازت «استثنائية» يتحضّر لها المستوطِنون في المسجد الأقصى. وبينما شرع الفلسطينيون في استعداداتهم للمواجهة، سارع العدو الانقضاض إلى محاولة على تلك الاستعدادات وإبطال مفعولها مسبقاً من خلال سلسلة إجراءات، تشمل – من بين ما تشمل – توسيع دائرة المستهدَفين بإخطارات الإبعاد والاعتقالات
ويخشى جيش الاحتلال وقوع عمليات فدائية داخل «الخطّ الأخضر» بالتزامن مع الأعياد اليهودية. وعلى ضوء ذلك، ذكر الإعلام العبري أن جهاز «الشاباك» يَدرس منْع دخول العمّال الفلسطينيين من غزة والضفة بشكل كامل خلال فترة الأعياد، الأسبوع المقبل. وأشارت قناة «ريشت كان» إلى أن «إسرائيل فرضت استنفاراً في جميع المدن الإسرائيلية وليس فقط في القدس»، بينما ذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» أنه في «أعقاب الأحداث الأمنية الأخيرة، بدأت الشرطة الإسرائيلية رفع حالة التأهّب تدريجياً». وتُلقي حالة الاشتباك في الضفة بظلالها على الأوضاع في القدس، التي تتّجه إليها الأنظار في الأيام القليلة المقبلة، حيث يُتوقّع حدوث استفزازات من قِبَل المستوطنين، بما يشمل اقتحام الآلاف منهم المسجد الأقصى، وتأدية طقوس تلمودية داخله مِن مِثل نفخ البوق – بعد تقديمهم التماساً إلى محكمة الاحتلال العليا للسماح لهم بذلك -، إضافة إلى إدخال قرابين العرش النباتية، ورداء الصلاة ولفائفها السوداء وكتاب الأدعية التوراتية، ورفع العلم الإسرائيلي في شوارع المدينة وأزقّتها.
وعلى خلفيّة ذلك، بدأ النشطاء الفلسطينيون، من الآن، بالدعوة إلى الرباط في المسجد الأقصى، وتسيير حافلات لنقل المصلّين إليه في الـ26 و27 من أيلول الجاري، وهي دعوة تبنّتها هيئات مقدسية مختلفة، ردّاً على ما أعلنته الجمعيات الاستيطانية من نيّتها تسيير حافلات تقلّ آلاف المستوطنين إلى الحرم. وتعمل قوات الاحتلال، على أكثر من صعيد، لمنع أيّ تحشيد وتعبئة للمقدسيين، بما يشمل استهداف الشخصيات المقدسية التي يمكن أن يكون لها تأثير. وفي هذا السياق، اقتحم جنود العدو، أمس، منزل مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، واعتقلوه وصادروا أجهزة حاسوبه، قبل أن يفرجوا عنه لاحقاً. كذلك، كثّفت سلطات الاحتلال من إخطارات إبعاد المصلّين والمرابطين، في خطوات قد تتّسع لتشمل شخصيات إضافية، في وقت جرى فيه تعزيز فرقتَي الضفة والقدس بكتيبة واحدة إضافية على الأقل، مع توجيهات بالتركيز على نقاط الاحتكاك ومحاور الطرق والشوارع الرئيسة والمستوطنات. وفي الاتّجاه نفسه، ذكر مسؤولون أمنيون أنه خلال فترة الأعياد، سيتمّ الحفاظ على حالة التأهّب في سلاح البحرية وسلاح الجوّ على الجبهة الشمالية، على خلفية التهديدات الأخيرة التي أطلقها الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصرالله.
إزاء ذلك، يرى المختصّ بالشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، في حديث إلى «الأخبار»، أن «تصاعد أعمال المقاومة في الضفة، والوضع الأمني الحسّاس والهشّ، والمأزق الذي تمرّ به السلطة الفلسطينية، وترقّب خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، مع ما يمكن أن يشِيعه من جوّ سوداوي بحسب الإعلام العبري، وحالة الإحباط التي يمكن أن تؤجّج الأزمة، إلى جانب استعار حالة التنافس قبيل انتخابات الكنيست المرتقبة، وتأثير وقوع عمليات عليها، كلّ ذلك يجعل إسرائيل في حالة تأهّب أمني». ويرى منصور أن ما يقوم به الاحتلال «قد يقلّل من عدد العمليات، لكنه لن يعالج الأجواء المتوتّرة والمتفجّرة، لأن الحلّ ليس أمنياً، فيما إسرائيل لم تقرّر حتى الآن ما إن كانت سوف تحسم أمنياً وعسكرياً، أو أنها ستتّخذ خطوات سياسية تجاه السلطة، علماً أنها لا تملك حلّاً سياسياً، وتترقّب انتخابات قد تحدّد مصير قادتها». ويلفت إلى أن «كلّ الإجراءات الإسرائيلية تدور في فلَك واحد»، مضيفاً أنها «لن تؤثّر على حالة القتال، نظراً إلى وجود حافز متنامٍ ومتعاظم لدى الفلسطينيين».
وتتركّز الإجراءات الإسرائيلية الأحدث في مدينة القدس، كونها باتت أقرب إلى «الجُرن» الذي يغلي على نار الاستهداف الواسع واليومي، وهو وضع تَأخذه سلطات العدو في الحسبان، في ظلّ إعلانها إحباط 47 عملية متفاوتة في المدينة، منذ بداية العام، بحسب قائد شرطة الاحتلال في القدس، دورون ترجمان. ويشير الكاتب والمحلّل المقدسي، راسم عبيدات، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «تأهّب الاحتلال في القدس يتزامن مع حملة تحريض إعلامية ضدّ رجال الدين والشخصيات الوطنية في المدينة، ومنظّمات فلسطينية تعمل على التصدّي لما يخطّط له العدو مع اقتراب الأعياد اليهودية»، معتبراً أنه «من الواضح أن لدى الاحتلال خطّة للتصعيد، ومحاولة فرض وقائع جديدة في الأقصى، عبر إيجاد حياة يهودية هناك، وفرض السيطرة الإدارية والأمنية على المسجد»، مضيفاً أن «ما يجري من حشد لألفَي عنصر في القدس وضواحيها وفي البلدة القديمة، ونشر 20 ألف جندي على نقاط التماس بين الضفة والداخل المحتلّ، بالتزامن مع شنّ حملة اعتقالات وإبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة والقدس، كلّها مؤشّرات إلى تَوجّه القوى السياسية الإسرائيلية لاستغلال فترة الأعياد لصالحها مع اقتراب الانتخابات، حيث ينصبّ الاهتمام على الاستفادة من الجماعات التلمودية والتوراتية التي تتزايد، لحصد أكبر عدد ممكن من الأصوات الانتخابية».