الأخبار -يحيى دبوقق
لا يبدو مشهد الانتخابات الإسرائيلية لعام 2022، مُشابهاً لِما سبقه في عام 2021، وإنْ كان العنوان الرئيس لا يزال واحداً، وهو: تأييد نتنياهو أو مُناوأته. مَعْلم الاختلاف الأبرز، والذي يظلّ مُحاطاً بالكثير من اللايقين، هو أن فوز رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، مرجَّح على فوز ما يسمّى «معسكر التغيير»، الذي يقوده رئيس الحكومة الانتقالية الحالية، يائير لابيد. ولعلّ أحد أهمّ أسباب ذلك هو تماسك أحزاب اليمين والأحزاب «الحريدية» التي استطاع نتنياهو محاصرة انقساماتها ومنْع تشتّت أصواتها، فيما فشل لابيد في الحيلولة دون تشرذُم كتلته وتضاؤل حظوظها في الربح. وبنتيجة ما تَقدّم، تُبقي استطلاعات الرأي نتنياهو ومعسكره قريبَين من الغالبية (61 مقعداً)، بينما يبتعد عنها لابيد، وإن تحالَف مع شركائه من ممثّلي فلسطينيّي الـ48 (حزب منصور عباس وغيره). وعلى ضوء هذه المعطيات، يمكن تأكيد الآتي:
– استطاع نتنياهو توحيد معسكره على أساس وعود بفوائد لاحقة قدّمها لأطرافه، ومن ذلك تَمكُّنه من رصّ صفوف الحزب «الحريدي»، «يهدوت هتوراة»، المشكَّل من حزبَين «حريديين أشكنازيين» (أغودات يسرائيل، وديغل هتوراه)، بعد أن وعد قيادتهما بأنه في حال اتّحادهما من جديد، فسيُواصل تقديم الدعم المالي لمؤسّساتهما التربوية، ولو امتنعت عن تدريس اللغة الإنكليزية والرياضيات، وهو مكسب يُعتدّ به عقائدياً ومسلكياً و«أخلاقياً» بالنسبة لكلَيهما. وبهذا، منع نتنياهو سقوط أحدهما، وفقدان ما يصل إلى 4 مقاعد.
– أيضاً، مَنع نتنياهو تشرذم المعسكر القومي (الصهيونية الدينية)، دافِعاً إيّاه إلى خوْض السباق بلائحة واحدة بدلاً من ثلاث لوائح. ولم يتمكّن رئيس الحكومة السابق من تحقيق ذلك إلّا بوعود مغرية قدّمها للحزبَين الكبيرَين في هذا المعسكر: «الصهيوني الديني» الذي يتزعّمه بتسلئيل سموتريتش، و«عوتسما يهوديت» الذي يرأسه إيتمار بن غفير، فضلاً عن ضمان تمثيل حزب «نعوم»، الذي يتزعّمه آفي ماعوز، المناهض للمثليين، في اللائحة نفسها.
في المقابل، فشل لابيد في توحيد معسكره، تماماً كما فشلت أحزاب من كتلته في الاتحاد منعاً لسيناريو سقوطها، مُجازفةً بقدرتها على تجاوز العتبة الانتخابية. وتتجلّى معالم هذا الفشل في ما يلي:
– الإخفاق في تشكيل لائحة موحّدة من حزبَي «العمل» (شبه اليساري) و«ميرتس» (اليساري)، ما يثير احتمال سقوط أحدهما أو كلَيهما، بالتالي تضييع ما يقرُب من أربعة مقاعد أو حتى ثمانية، منها ما سيذهب لمصلحة معسكر نتنياهو، ما سيَحكم على معسكر لابيد بالسقوط، ويَحرمه من أيّ إمكانية لتشكيل الحكومة المقبلة.
– أيضاً، فشَل أحزاب فلسطينيي الـ48 في الاتحاد في لائحة واحدة، وتشرذمها إلى ثلاث قوائم، أولاها «العربية الموحدة» (المنفصلة عن بقيّة الأحزاب منذ الانتخابات الماضية) برئاسة منصور عباس الذي يأتلف مع لابيد في الحكومة الحالية، ولا يمانع كذلك في أن يأتلف مع أيّ حكومة أخرى وإن كانت متطرّفة؛ وثانيها «التجمع الوطني الديموقراطي»؛ وثالثها «الجبهة الديموقراطية». ومن شأن انقسام هذَين الأخيرَين على نفسهما أن يُفقد الأوّل تمثيله في «الكنيست»، إذ من المستبعد أن يقدر على تجاوز العتبة الانتخابية، فيما الثانية قد تتمثّل بأربعة مقاعد فقط، ما يعني أن التحالف السابق بينهما سيضيّع أربعة مقاعد، سيذهب اثنان منها على الأقلّ لمصلحة نتنياهو. أما عباس، الذي يُجاهر بأنه «غبّ الطلب» للانضمام إلى أيّ تحالف صهيوني رابح، فالأرجح أن يحافظ على مقاعده الأربعة. والظاهر أن تشرذم الأحزاب العربية، والذي جاء نتيجة خلاف على التوجّه إلى الائتلاف في الحكومة العتيدة من عدمه، سيؤدّي إلى تراجُع نسبة إقبال الفلسطينيين على صناديق الاقتراع.
بناءً على ما تقدّم، وعلى بُعد أربعين يوماً من إجراء الانتخابات المنتَظرة في الأوّل من تشرين الثاني المقبل، تبدو حظوظ نتنياهو أكبر من فُرص لابيد، وإن كانت الفترة الفاصلة عن الانتخابات طويلة نسبياً، وفيها من المتغيّرات المحتمَلة ما يمكن أن يقلب المشهد، رغم الأرجحية الواضحة من الآن، لبنيامين نتنياهو.
بين 2021 و2022
تُجرى الانتخابات التشريعية الإسرائيلية كلّ أربع سنوات، وهي تعتمد التمثيل النسبي الكامل على مستوى الكيان، مع عتبة انتخابية بسيطة نسبياً (3.25 من عدد المنتخبين)، تسمح بوصول عدد كبير من الأحزاب والكتل إلى «الكنيست» (البرلمان)، الأمر الذي يعقّد مسارات تشكيل الحكومات ويصعّبها، مقابل تسهيل عملية إسقاطها. يسمّي رئيس «الدولة» عضو «كنيست»، يكون في الأغلب رئيس الحزب الذي يحوز العدد الأكبر من المقاعد، أو مَن يتّفق عليه تحالف الأحزاب الحاصل على الغالبية، لتشكيل الحكومة، التي يتطلّب تأليفها اجتماع كُتل تَملك ما لا يقلّ عن 61 مقعداً. ومع ذلك، يبْقى للرئيس، وفقاً للنصوص القانونية، حقّ اختيار أيّ عضو «كنيست» يرى أنه هو الأقدر على تشكيل حكومة، وإن كانت مقاعد حزبه أقلّ من مقاعد الأحزاب الأخرى. خيضت الانتخابات الماضية تحت عنوان واحد: مع أو ضدّ نتنياهو. وقد كان معظم المؤيّدين من الأحزاب اليمينية والأحزاب «الحريدية»، فيما المعارضون خليط من اليسار والوسط واليمين وفلسطينيي الـ48، الذين نجحوا في وضع الخلافات جانباً، بعد أن وحّدتهم معارضة نتنياهو. وعلى إثر ائتلافهم، تشكّلت حكومة برئاسة رئيس حزب يميني متطرّف (اليمين الجديد)، هو نفتالي بينت، بالمداورة بينه وبين رئيس حزب «يش عتيد»، يائير لابيد، الذي يرْأس الآن الحكومة الانتقالية. واستند ائتلاف بينت – لابيد إلى غالبية هجينة، ولذا كان محكوماً عليه بالسقوط، على رغم أنه صمد أكثر ممّا كان متوقّعاً له.