اقتحامات المصارف على أنواعها ودوافعها، وبغض النظر عن مشروعية عملية الدخول الى مصرف لاسترداد وديعة، أثارت تساؤلات عن أسباب الاندفاعة المفاجئة، بعد فترة من الصمت الشعبي وعلى أبواب الإستحقاقات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية وملف الترسيم، كما طرحت هواجس حول الانفلات الأمني نحو القوضى الإجتماعية والإقتصادية.

بالنسبة الى العديد من المحللين، فمشهد الاحتجاج في الشارع لا يمكن فصله عن التوترات السياسية عشية الإستحقاقات الدستورية، ومع الحديث عن شبح الفراغ الرئاسي الذي صار شبه مؤكد، كما انه وسيلة من وسائل الضغط لإنتاج حكومة، حيث تدل المؤشرات الى إمكانية التوصل الى تفاهم بين بعبدا والسراي بعد تراجع رئيس الجمهورية عن مطلب الوزراء الستة، مقابل تعديل يتناول وزيري الإقتصاد والمهجرين يوافق عليهما التيار الوطني الحر.

إلا ان الانفراج في الملف الحكومي لا يعني حلحلة سريعة في الملف الرئاسي الذي يزداد تعقيدا مع الوقت، ولم يعد ممكنا تبيان المسار الذي ستذهب اليه البلاد، مع أرجحية مؤكدة لدخول البلاد في الفراغ المربك الذي سيفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، مما انعكس توترا في الخطاب السياسي عشية الدخول في مرحلة الاستحقاق، حيث يحاول كل فريق ان يكسب النقاط الرابحة . فرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وضع خطا أحمر حول حكومة غير كاملة المواصفات تستلم صلاحيات الرئاسة، وبالنسبة الى التيار الوطني مسألتان لا يمكن القبول بهما: تسليم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة، ورئيس جمهورية لا تمثيل شعبي له، مما يعني عمليا عدم قبول باسيل تجيير الرئاسة لفرنجية، بحجة رفض وصول رئيس له نائب واحد.

شبح الفراغ الذي يتم التداول به، يترافق مع تلاشي حظوظ المرشحين المسيحيين الأقوياء ، فرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي كان متوقعا ان يشكل نقطة تلاقي بين شخصيات ٨ آذار، برزت في وجهه «فيتوات» التيار الوطني الحر، وبات فرنجية الذي احتل قبل فترة «التراند الرئاسي»، وطرح ترشيحه بقوة في الصالونات السياسية مرشحا مع وقف التنفيذ.

يتحدث المطلعون على ما يجري رئاسياً، ان الفراغ واقع حتما، لأن فريق ٨ آذار لن يسمح بوصول مرشح «سيادي» تماما، كما لن يقبل «السياديون» وصول مرشح من فئة سليمان فرنجية سياسيا .

ومن جهة التيار الوطني الحر، لا يبدو ان النائب جبران باسيل استسلم بعد رئاسيا، وهو انضم مؤخرا الى لائحة المرشحين، بعدما كان اسمه في الفترة الماضية في الخطوط الخلفية نظرا للعقوبات الأميركية و»الفيتوات» الداخلية عليه، في حين ان إطالة الفراغ المتزامنة مع الفوضى الأمنية قد تسمح بترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون.

الدخول في مرحلة الفراغ تكاد تصبح واقعا، مما جعل السياسيين يتسابقون لرفع سقف الخطاب، مع محاولة قطع الطريق أمام المرشحين الأقوياء، فالنائب جبران باسيل لا يرى نفسه ملزما انتخاب سليمان فرنجيه، الوضع نفسه يسود بين باسيل وقائد الجيش جوزف عون اذا ارتفعت أسهم الأخير.

وعليه تؤكد مصادر سياسية، ان الإفراج عن الحكومة ينعكس إيجاباً في ضبط تحركات الشارع، التي بدأت على شاكلة اقتحام مصرف ومرشحة لأن تطال القطاعات العامة والمؤسسات والمستشفيات، لكن اذا لم يحصل الإنفراج في ملف الحكومة فكل التوقعات تشير الى المزيد من جولات العنف الكلامية والذهاب الى مسارات وسيناريوهات خطرة.