صلاح سلام-اللواء
لا الضجة التي أثارها تهديد جبران باسيل بالفوضى الدستورية، ولا الغبار السياسي الناتج عن كلام الرئيس عون بالبقاء في قصر بعبدا بعد ٣١ تشرين الأول، ولا «الجعدنة» المستمرة حول الوعود الكهربائية الفارغة، ولا النتائج الباردة لزيارة هوكشتاين الخاطفة لبيروت، إستطاعت أن تخطف الإهتمام السياسي والديبلوماسي بملف الحكومة العتيدة، نظراً لأهمية تأمين الولادة الحكومية قبل إنتهاء الولاية العونية.
ad
ثمة إجماع عند أهل الدستور والقانون على أن وجود حكومة كاملة الصلاحيات الدستورية، من شأنه أن يُجنب الوضع اللبناني المزيد من التدهور والتعقيدات السياسية والإقتصادية، فضلاً عن بعض المخاطر الأمنية، في مرحلة أحوج ما يكون فيها البلد إلى فترة من الهدنة السياسية، لتمرير الإستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ممكن، وبأقل قدر ممكن من الخسائر السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
ويرى أصحاب هذا الرأي، المتميز بكثير من الحكمة وبُعد النظر، أن حكومة كاملة الأوصاف الدستورية، لا تُنهي الخلافات المتصاعدة حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال في القيام بمهام رئيس الجمهورية في حال الشغور الرئاسي وحسب، بل وأيضاً من شأنها أن تُنهي بعض الملفات المهمة المتعلقة ببعض الخطوات الإصلاحية، وخاصة متابعة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وإقرار الإتفاق مع البنك الدولي لتمويل خطة الكهرباء المؤقتة في إستجرار الكهرباء من الأردن وإستيراد الغاز من مصر، مع إمكانية التعامل مع عرض شركة سيمنس والمجموعة الصينية لبناء معملين لإنتاج الطاقة في الشمال والجنوب، بالجدية المطلوبة لإيجاد حلول جذرية لأزمة الكهرباء المزمنة.
ووجود حكومة تحظى بالثقة النيابية، وتتمتع بكامل الصلاحيات التي نص عليها الدستور، لا يقطع الطريق على المصطادين في المياه العكرة فقط، بل يُساعد على الحفاظ على ما تبقى من قدرة الدولة على التماسك، والحد من تلاشي المؤسسات الدستورية المتهالكة، ويحافظ على دور السلطة في التفاوض مع الدول المانحة والمؤسسات المالية العربية والدولية من موقع دستوري لا غبار عليه.
يُضاف إلى كل ذلك، أن وجود حكومة تحظى بتأييد القوى السياسية الرئيسية، من شأنه أن يسد الطريق على محاولات توجيه الرسائل الأمنية المتبادلة بين بعض الأحزاب والتيارات السياسية المتنافسة، على نحو ما حصل أول أمس في طرابلس، وأعاد سيناريو باب التبانة وجبل محسن المقيت، والذي يمكن إعتباره نوعاً من «بروفة» للعودة إلى إستخدام الأمن في الشارع لتوجيه الرسائل السياسية.
ولا بد من الإعتراف أن كل تلك الإعتبارات تقف عند حاجز السؤال المفصلي التالي:
هل ثمة إمكانية للتوافق على الوضع الحكومي وإنقاذ السلطة من التلاشي قبل الوصول إلى نهاية تشرين الأول المقبل؟
الواقع أن هذا السؤال يشكل تحدياً وطنياً لكل الأطراف السياسية المتناحرة في خضم الأزمات التي يتخبط فيها البلد، ومازالت تعطي الأولوية لمصالحها الفئوية والحزبية، على حساب مصالح البلاد والعباد.
وإذا كان «الجنرال» يُمهد للبقاء في المقر الرئاسي بعد إنتهاء ولايته، وخوض مغامرة جديدة في مخالفة الدستور، على نحو ما حصل عام ١٩٨٩، وإذا كان صهر «الجنرال» يهدد بالنزول إلى الشارع، واللجوء إلى الفوضى الدستورية، وما قد تحمله من مواجهات مباشرة مع الخصوم السياسيين في الشارع؟
ما بال الثنائي الشيعي الذي يُمسك بزمام السلطة التشريعية، ويتحكم بمفاتيح اللعبة السياسية ؟
وإذا كانت مواقف الرئيس نبيه بري معروفة بمعارضتها للخروج عن النصوص الدستورية، والنزول إلى الشارع على الطريقة الباسيلية، فماذا عن مواقف حزب الله، من طروحات حليفه المدلّل، التي ستُعرّض البلد لمزيد من الإهتزازات السياسية، وتضع الشارع على فوهة بركان من التعبئة والتعصب، قابل للإنفجار عند الشرارة الأولى؟
ad
وهل كان رئيس التيار العوني قادراً على الذهاب إلى حد التهديد باللعب بنيران الشارع، لولا إستناده على حليفه المستقوي على الآخرين؟
لا شك أن التوافق على مخرج حكومي مناسب للجميع من الصعوبة بمكان، ولكن الإلتزام بمصالح الوطن، ومراعاة الأوضاع البالغة الصعوبة التي تمسك بخناق اللبنانيين، تفرض على أطراف المنظومة السياسية تقديم التنازلات المتبادلة للتوصل إلى حل وسط، يحد من إنحدار لبنان إلى مستوى الدول الأكثر فشلاً في العالم.
الوقت ينفد بسرعة، ولكن المجال ما زال مفتوحاً لقيام حكومة كاملة الإوصاف، كخطوة إنقاذية آنية لا بد منها بالمعايير المؤقتة، إذا صفيت النيّات، وعاد عقل الرحمن إلى الرؤوس الحامية!