اعتُبر اعلان كوريا الشمالية بأنها تمتلك حق تنفيذ ضربات نووية وقائية، خطوة مثيرة عالية الأهمية، في لحظة دولية شديدة الحساسية. وبينما صرّحت روسيا انها تراقب اي نشاط عسكري وتتهم الولايات المتحدة بزعزعة الأمن ما جعل كوريا تلجأ للخيار العسكري لضمان أمنها، أكدت واشنطن انها ستواصل التنسيق مع شركائها لمواجهة تهديدات بيونغ يانغ، مؤكدة في الوقت نفسه أنها ملتزمة تماما بالدفاع عن كوريا الجنوبية.
هذا الجدل الواسع الذي اثاره الاعلان لم يكن مفاجئاً، خاصة وان بيونغ يانغ قد أعلنت رسمياً منذ زمن انها لن تتخلى عن تطوير اسلحتها النووية للدفاع عن نفسها.
احتفلت كوريا الشمالية بالذكرى الـ74 لتأسيس الدولة. ووسط قلق متزايد بشأن احتمال إجراء كوريا الشمالية لاختبارها النووي السابع، عقدت البلاد الجلسة السابعة للدورة الرابعة عشرة لمجلس الشعب الأعلى، حيث أعلن رئيس الدولة كيم جونج أون رسميا أن كوريا الشمالية لن تتخلى مطلقا عن ترسانة الأسلحة النووية التي تمتلكها.
نائب مدير كرسي كوريا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، في تقرير نشره المركز، إلين كيم، تقول إن هناك أربعة أمور شهدها اجتماع مجلس الشعب الأعلى. أولها إصدار كوريا لقانون جديد يزيد من تعزيز وضعها النووي. وثانيها، أنه في ظل القانون الجديد أعلنت كوريا عن خمس حالات يمكن بمقتضاها أن تشن هجوما نوويا استباقيا. وثالثها، أوضحت كوريا في القانون أنها لن تتشارك مع دول أخرى في أسلحتها أو تكنولوجيتها النووية. ورابعها، أن كيم جونج- أون أوضح تماما أن البلاد سوف تقاوم كل ضغوط العقوبات التي تفرض عليها للتخلي عن أسلحتها النووية.
وأضافت كيم، الحاصلة على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة كاليفورنيا الجنوبية، أن كوريا الشمالية بهذه التصريحات تحاول تعزيز وضعها كدولة أسلحة نووية “مسؤولة” في ظل التزام معلن بوضوح بأنها لن تنشر الأسلحة أفقيا (رغم أن هناك تصرفات تتناقض مع ذلك)، في ظل إعلان صريح بعدم التخلي عن الأسلحة النووية.
وفيما يتعلق بالحالات الخمس التي أعلنتها كوريا الشمالية لشن هجوم نووي استباقي، قالت كيم إنها أعلنت بالفعل عن مبدأ جديد يقضي بـ”عدم البدء بالاستخدام”. وهذه الحالات هي:
-عندما يتم تنفيذ هجوم نووي أو هجوم آخر بأسلحة الدمار الشامل أو يكون ذلك أمرا وشيكا
-عندما يتم تنفيذ هجوم نووي أو غير نووي على القيادة وقيادة القوة النووية الوطنية أو كان ذلك وشيكا
-عند تنفيذ هجوم عسكري فتاك على أهداف استراتيجية مهمة للدولة أو كان ذلك وشيكا
-عندما يكون من غير الممكن عملياتيا تجنب منع توسع نطاق أي حرب والإمساك بزمام المبادرة في أوقات الحالات الطارئة
-عندما يكون هناك وضع يتسبب في أزمة كارثية لوجود الدولة وسلامة الشعب.
وحول ما يعنيه القانون الجديد لوضع كوريا الشمالية النووي تقول كيم، التي تتركز أبحاثها على العلاقات الأمريكية الكورية والتنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إن القانون الجديد محاولة أكبر لتعزيز وضع القوة النووية الكورية الشمالية، الذي وصفته بأنه “لا يمكن العدول عنه” وغير قابل للتفاوض. ويتناقض ذلك مع سياسة نزع السلاح النووي الكامل، والذي يمكن التحقق منه ولا يمكن العدول عنه، التي تتبعها واشنطن وسول تجاه كوريا الشمالية. فمن خلال القانون الجديد وضعت كوريا الشمالية الأساس القانوني بأنه لن تكون هناك محادثات مستقبلية بشأن نزع السلاح النووي للبلاد.
كوريا الشمالية بذلك خفضت من سقف استخدامها للأسلحة النووية. فالحالات الخمس السابق ذكرها تشير إلى أن هناك تغييرا كبيرا للغاية في العقيدة النووية للبلاد، مما يدل على عدول ملحوظ عما ورد في القانون السابق الذي تم سنه عام 2013. ويبدو أن القانون الجديد يوضح أن هناك نية لشن هجوم نووي تكتيكي استباقي ضد القوات الكورية الجنوبية والأمريكية في كوريا، خصيصاً من أجل ردع أي عملية عسكرية محتملة تقوم بها سول وواشنطن ضد قيادة كوريا الشمالية أو بنيتها العسكرية المهمة، ومنع المشاركة العسكرية من جانب الولايات المتحدة إذا كانت هناك حالات طارئة في شبه الجزيرة.
من الواضح أن ما أعلنته كوريا الشمالية يجعل احتمال عقد محادثات بشأن نزع السلاح النووي أمرا أبعد كثيرا مما هو عليه الآن فعلا. فقد رفضت كوريا الشمالية بالفعل مبادرة كوريا الجنوبية والولايات المتحدة للتواصل، بما في ذلك “المبادرة الجريئة” من جانب الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول لإحياء اقتصاد كوريا الشمالية مقابل نزع السلاح النووي.
وما أعلنته كوريا الشمالية قد يؤدي إلى أن يطالب الحلفاء الولايات المتحدة بتعزيز مصداقية الرادع النووي الممتد في شبه الجزيرة الكورية وحولها. وبحسب كيم فإنه ربما يكون لتوقيت القانون الكوري الشمالي الجديد بالإضافة إلى ذكرى تأسيس الدولة علاقة أيضا ببدء اجتماع مجموعة استراتيجية الردع الممتد والتشاور الذي ستعقده الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية الأسبوع المقبل، والانتهاء مؤخرا من مناوراتهما العسكرية المشتركة.
الكاتب: الخنادق