في وقت تشهد الحركة السياسية على صعيد تشكيل الحكومة جمودا شبه تام، مع تراجع الملف الى الصف الثاني واحتلال الاستحقاق الرئاسي المرتبة الاولى في الجدل الاعلامي والمواقف المطلقة، وغداة حركة الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، التي تضاربت المعلومات حولها وفقا لجهة ومقر التسريب، قفز الامن الى الواجهة من بوابة عاصمة الشمال.

وسط هذه الاجواء السوداء، أتى الغليان الامني الذي عاشته طرابلس على خلفية حادثة محل الهواتف الدامية، ليصب الزيت على النار ويثير المخاوف من اعادة إحياء التوتر بين جبل محسن ومحيطها، لأغراض فتنوية تُستخدم في السياسة، اذ مع اقرار الكثيرين «بالترابط العضوي» بين عاصمة الشمال والواقع الميداني السوري، يجمع المراقبون على ان سلسلة الاحداث الامنية التي بدأت تشهدها المدينة تنذر بسقوط «الهدنة» التي فرضها الجيش اللبناني بالقوة، في ظل تسجيل الجهات الامنية عودة ملحوظة لنشاط بعض الرموز المتطرفة التي كان لها دور في الفترة السابقة، مستفيدة من «جمر ملف الاسلاميين الهامد تحت رماد العجز الحكومي»عن بته، كما من البيئة التي يؤمنها وجود النازحين داخل المدينة وعلى تخومها امتدادا باتجاه المنية وعكار ومخيم البداوي «المهتز».

مصادر سياسية متابعة، ابدت خشيتها من وجود قطبة مخفية ترعى الموضوع الامني الشمالي عامة والطرابلسي خصوصا، حيث ثمة كلام يتم تداوله في «الصالونات الامنية – السياسية» مدعّم بمعلومات واردة من جهات خارجية، عن وجود الآلاف من مقاتلي «داعش» الذين انتقلوا الى لبنان على دفعات من الداخل السوري و»تمركزوا» في اكثر من قرية في المحافظة ومنطقة في المدينة بهدف تحريكهم عند الساعة الصفر في اطار مخطط دولي – اقليمي يرمي الى خلط الاوراق في حال تطورت الاوضاع وذهبت البلاد الى فراغ تحكمه الفوضى.

عزز هذه المخاوف بحسب المصادر، حركة الاجهزة الامنية الناشطة على خط اعتقال عناصر وخلايا نائمة، سواء من قبل امن الدولة، او الشبكة التي تمكنت مديرية المخابرات من الايقاع بها في منطقة البقاع الغربي والذي كشفت عن ان «قيادتها» تتمركز في احدى دول اميركا الجنوبية، وهو ما شكل مفاجأة صادمة، بعدما درجت العادة على ارتباط تلك الشبكات بامراء في سوريا والعراق او حتى احيانا في تركيا.

اما النقطة الثانية التي بينتها التحقيقات، فهي الاهداف المحددة وهي مراكز عسكرية، بعدما كانت معلومات توافرت عن خطط لاستهداف دور عبادة مسيحية واسلامية، اللافت هنا ايضا ان محافظة الشمال شهدت سلسلة عمليات تعد واستهداف لمواقع عسكرية، من التفجير الانتحاري عند معسكر عرمان، الى النقطة العسكرية في محطة الـ «اي بي سي» الى الاستهدافات المتكررة لثكنة القبة، تحت حجج مختلفة البست في كثير من الاحيان الطابع الشخصي والثاري، وهو ما بقي قيد التساؤل اذ قلما شهدت هذه المنطقة هكذا تصرفات طوال سنوات، حتى في أوج نشاط وحركة المجموعات الارهابية من «داعش» و»نصرة»، وصولا الى الشكوك التي سادت اخيرا مع محاولة جهات مشبوهة «ركب» موجة غضب اهالي قارب الموت.

وتتابع المصادر ان الامن فالت في المدينة ، وان شوارع المدينة تتحول مع ساعات الليل الى مرتع للمسلحين والخارجين عن القانون ،في ظل عجز القوى الامنية عن ضبط الوضع لعدم توافر العديد والامكانات الكافية، رغم ان جهودا كبيرة تبذل لسد تلك الثغرات، وسط الاشاعات عن انتشار كميات كبيرة من السلاح في المدينة، وهو ما دفع بالكثيرين من المحللين الى الحديث عن سيناريوهات تفجير امني وشيك، مع اهتمام «زائد» من قبل اكثر من سفارة دولية وعربية بالوضع في تلك المنطقة.

في القراءة الواقعية للخريطة السياسية والامنية لطرابلس، تتبين شبكة المصالح المتاضربة لمختلف القوى ولاجنداتها المتضاربة، التي تنذر بانفجار الاوضاع من جديد، خاصة مع الانقسام الحاد بين القيادات السياسية في المدينة، ما قد يفتح ثغرة تستفيد منها المجموعات المتطرفة في ظل بيئة الفقر والبؤس التي بلغت حدا تخطى كل المعقول.

فهل ما حصل خلال الساعات الماضية في القبة هو بداية عودة «داعش» الرسمية الى الساحة، وان فكرا وعقيدة؟