مع بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية تتقدّم إلى الواجهة ظاهرتان. الأولى إعادة تنشيط فكرة تشكيل حكومة استعداداً للفراغ في منصب الرئاسة، والثانية التركيز على انتخاب رئيس ضمن المهلة وعدم الرضوخ للتهويل بالفراغ.
ومنطق الأمور يفرض تشكيل الحكومة منذ الإنتخابات النيابية في أيار الماضي، فقد جرت تلك الإنتخابات في موعدها وجاءت بمجلس نواب متنوّع التكتّلات، اختارت أغلبية فيه تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة.
كان ينبغي أن ينهي ميقاتي مهمته منذ حزيران الماضي، بحكومةٍ كالتي يرأسها حالياً أو بحكومة مشابهة. لم يكن أحد يتوقع تغييرات عظمى في التشكيلة التي ستختتم عهد الرئيس ميشال عون لتستقيل فور انتخاب الخلف، والقول إن إنجازات كبرى ستطبع نهاية العهد بحكومته الأخيرة لم يكن سوى بيع كلام ومحاولة لبيع الخضروات في المساء بسعر الصباح.
تعطل التشكيل، ومن دون الدخول في تحديد المسؤوليات وتوزيعها، ظهر أن الهدف هو الإستعداد للفراغ بحكومة رؤساء للجمهورية، في تكرار لتجربة حكومة الرئيس تمام سلام بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان وبدء فرض الفراغ المجيد.
في مقابل هذا المناخ تتقدم الظاهرة الثانية وهي الظاهرة الضرورية والمطلوبة وفحواها الاستعداد الجدي لانتخاب رئيس للجمهورية في الوقت المحدد، ولا شيء يمنع تحقيق ذلك إذا جرى الإحتكام الى مجلس النواب وواجبه في انتخاب الرئيس والتزامه تأمين النصاب لدورات الانتخاب.
على هذا الطريق بدأت تتبلور المواقف. هناك مرشحون أبدوا استعدادهم لخوض النزال، وآخرون لم وربما لن يعرّضوا أنفسهم، إلا أن الأهم هو المقاييس والمواصفات التي بدأت تبلورها الكتل النيابية والرأي العام الوطني. كانت كتلة النواب التغييريين سبّاقة في طرح مبادرة للإتيان برئيس يلتزم الدستور واستعادة الدولة. صحيح أن شعاراً كهذا يتجنّب التصويب على الميليشيا والسلاح والدولة ضمن الدولة لكنه يختصر الأزمة الوطنية التي يعيشها البلد. ويلتقي هذا الطرح عملياً مع رفض الدكتور سمير جعجع تكرار التجربة السابقة التي يعتبرها مسؤولة عن فرض منطق الممانعة على الدولة وبالتالي عن انهيار الدولة، والأهم في ما قاله جعجع والتزم به النواب الـ13 هو التأكيد على إقامة أوسع الإتصالات مع مختلف الكتل من أجل الإتفاق على اسم تتجسّد فيه مفاهيم السيادة والإصلاح واستعادة الدولة، ومن دون التمسك المسبق بأية مطالب خاصة.
لن تكون المسألة سهلة ولا الوصول الى الغايات الكبرى مضموناً. لكن المحاولة ضرورية ولا بديل منها، فانتخاب الرئيس له الأولوية، وليس الإمعان في الهروب سعياً وراء حكومة للفراغ.