الجنوب معزول عن العالم، لا اتصالات، لا انترنت، لا تواصل ولا من يحزنون، فاضراب موظفي «أوجيرو وألفا وتاتش» شل القطاع وادخل الناس في عزلتين واقعية وافتراضية، والـ»ALO» اختفت حتى من عالم «الواتساب».
إنشغل الناس في البحث عن حلّ للتواصل، كل المحاولات باءت بالفشل، الارقام الساخنة والطارئة خارج الخدمة.
كيف ينظر الناس الى واقعهم الجديد؟ غاب الانترنت، أهلاً بساعي البريد، وقد يعود دوره هذه الايام في ظل بلد مشلول وعاجز عن معالجة ازماته. احد لا ينكر ان الاتصالات هي «قلب البلد» ومن دونها ينهار، كما حصل امس حيث توقفت كل امدادات التواصل وتعطلت حركة المصارف والدوائر وكأننا عدنا الى العصر الجاهلي، حتى في خضم الحرب لم ينقطع التواصل، اما في دولة السلم فالإنترنت مقطوع.
وفق المصادر فإن موظفي اوجيرو ماضون في اضرابهم حتى تحقيق المطالب، ولا عودة الى العمل قبل ان تصبح القرارات واقعاً، وتؤكد المصادر ان «قطاع الاتصالات هو القطاع الوحيد المنتج في البلد، والذي يدر اموالاً طائلة على الدولة، وان ما يطالب به العمال والموظفون ما هو الا حقهم المشروع»، ولا تخفي ان «الاضراب سينعكس سلباً على البلد ويعطل كل التحركات فيه، فكل شيء مرتبط بالاتصالات، ما يعني ان الدخول في العزلة بات قاب قوسين أو ادنى»، لافتة الى ان «الدولة لن تصمد طويلاً امام اضراب هذا القطاع، الذي يطالب موظفوه برفع الرواتب وبدلات النقل وفق منصة صيرفة أسوة بموظفي ألفا وتاتش».
وتشير المصادر الى ان تبعات الاضراب بدأت تتمظهر مع خروج السنترالات عن الخدمة بسبب نفاد مادة المازوت، ناهيك عن الاعطال التي بدأت تبرز ولا يوجد من يعالجها لان العمال في حالة اضراب، وتؤكد أن لا ثقة بأي قرار يصدر، ولا عودة الى العمل قبل ان تصبح الرواتب وفق صيرفة ومعها بدلات النقل.
أمام هذا الواقع المرير، يبدو ان أيام البوسطجي ستعود، وقد ينفض ابو ناصر البوسطجي العتيق في منطقة النبطية الغبار عن دراجته النارية ومحفظته الجلدية، ويعيدها للخدمة بعد سنين من التقاعد، يضحك ابو ناصر حين تسأله عن «الاتصالات» فيجيبك بسرعة البرق «ما في اتصالات هالايام مقطوعة». لم يسبق ان مرّ على لبنان زمن مماثل لما هو عليه اليوم، حتى زمن الحرب والاحتلال بقي ابو ناصر مواظباً على عمله، ينقل الرسائل بين القرى والبلدات، فالناس كانت تنتظره بإبتسامته حاملاً لهم مكاتيب الفرح. يضحك في سره وهو يقول: «معقول يرجع زمن البوسطجي»، واكثر ما يفاجئه ان «الاتصالات مقطوعة في زمن الاتصالات، «اي رزق الله ع زمن المكتوب والشنطة»، يقول متنهداً.
أعاد انقطاع التواصل البوسطجي الى الواجهة، ففي بلدة يحمر الجنوبية، ما زال ابو ناصر الثمانيني محتفظاً بعدّته، خبّأها للزمن، فهي بالنسبة اليه مفتاح الفرح «اذ كنت أنقل الفرح الى الناس، على عكس هذه الايام باتت الاتصالات تنقل الهم للناس». يجزم: «ان زمن البوسطجي، ورغم طول الانتظار، كان هناك قيمة للمكتوب، بينما اليوم الرسالة بسرعة البرق ولا قيمة لها، تحذف بسرعة، والمضحك انها تحتاج الى انترنت والانترنت مقطوع».
لا شيء مستبعداً هذه الايام، فالدولة تنتظر رسالة المبعوث الاميركي آموس هوكشتين بفارغ الصبر، وموظفو اوجيرو ينتظرون جواب الحكومة على احر من الجمر، والبوسطجي ينتظر متغيرات الصورة ليبني على الشيء مقتضاه، فقط في لبنان القديم يعود وعلى عجل ايضاً، فأهلاً بكم في بلد اللاإتصالات.