تمخضّت مبادرة تكتل «نواب الـ 13» الرئاسيّة في وثيقة تشكل إطاراً لإستقطاب كافة القوى السياسيّة «كلن يعني كلن» حول ما تضمنته من رؤية ومقاربة ومعايير كفيلة بـ»لبننة» هذا الإستحقاق وإسترداد الدولة لدورها وسلطتها على كافة الأراضي، على أن يتم اللجوء إلى الشارع لفرض إنتخاب مرشحهم قبل إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
ويسعى القيّمون على «المبادرة الرئاسيّة الإنقاذية» التي طغى عليها الطابع «الإنشائي الأكاديمي» إلى استقطاب تأييد غالبيّة الكتل النيابية لمرشحهم الذي بقي طي الكتمان، بعد إستبعادهم المرشحين الجديين الذين واكبوا «17 تشرين»، والذين لا يقلون شأناً عن أيٍ من الأسماء المجهولة المعلومة التي سيتم إسقاطها على «المبادرة»، قبل العودة إلى الشارع مجدداً في الأيام العَشرة التي تسبق الفراغ في الرئاسة الأولى ما لم تتكلل جلسات انتخاب الرئيس، التي لا بدّ أن يدعو لها الرئيس نبيه بري، بصعود الدخان الأبيض.
وفي هذا الصدد تكمن جديّة «المبادرة» أو المبادرين في ما ستؤول إليه المساعي الهادفة إلى إستقطاب تأييد «قوى 8 آذار»، وعلى وجه الخصوص «حزب الله» ورئيس «التيار الوطني الحرّ» الذي رفعوا له أناشيد الـ»هيلا هو» قبل الإنتخابات، في حين سجّل إعتراض عدد من «نواب الـ 13» على «لقاء الثلثاء» الذي ضمّ إلى زملائهم، نواب «الكتائب اللبنانية» و»المستقلين» الذين يتشاركون الخطاب والمطالب ذاتها مع «القوات اللبنانية» أيضاً.
وبعيداً عن النهج الإلغائي الرافض للتعاون مع قوى «المنظومة» التي أودت بسياساتها المتعاقبة إلى تحلل الدولة ومقومات صمودها، إنقلب «نواب الـ 13» على خطابهم الإنتخابي الذي أوصلهم إلى البرلمان، واضعين ممثلي الميليشيات المسلحة المؤتمرة من خارج الحدود، كما الأحزاب التي وُسمت بفسادها وسمسراتها ونهبها للمال العام في الخانة نفسها مع القوى المعارضة لهم، من أحزاب ونواب مستقلين لم يألوا جهداً في سبيل قيام الدولة القادرة على تأمين أبسط مقومات العيش الكريم إلى اللبنانيين، خلافاً لعهد الظُلمة والسلاح المتفلت والنيترات المُتفجر.
ومع التشديد على أن المعركة الرئاسيّة لا تُخاض بالشعارات والمبادرات دون أن تتجسد البرامج بترشيحات جديّة، يهدف «نواب الـ 13» إلى أن يكون الرئيس العتيد من خارج الإصطفافات يشكل «الحَكَم الحاكِم» إنطلاقاً من الدستور وقدرته على التواصل مع الجميع، مؤمناً بالعيش الواحد، ويجنّب زجّ لبنان في أيٍ من الصراعات الخارجيّة.
ورأى «التكتل» في مبادرته أن إستهداف ركائز لبنان من قبل المنظومة الحاكمة يضعهم أمام خيار تاريخي في إعادة تكوين السلطة، آملين أن يشكل الإستحقاق الرئاسي «الخطوة الكُبرى الفاصلة الحاسمة التغييرية»، لبدء صفحة جديدة والإنطلاق مع الرئيس الجديد في إسترداد الدولة بمفاهيمها الواسعة.
ولتحقيق أهدافهم، تضمنت «المبادرة» دعوة النواب إلى تحويل هذا الإستحقاق إلى «مناسبة للتفكير في أي بلدٍ نريد وكيف نريده»، بعيداً عن التسويات بين أطراف السلطة، والمشاريع الفئوية أو الاستئثاريّة، على أن يشكل تطبيق الدستور مدخلاً «للخروج من قعر الهاوية الأخلاقيّة والوطنيّة والسياسيّة والقانونيّة والوجوديّة والإقتصاديّة والمعيشيّة، هاوية إحتكار الكرامة والسيادة والاستقلال والقانون والحقّ والعدل والحريّة والديمقراطيّة والاستقامة».
وإلى جانب رفض الإستمرار في «المغامرة الماجنة لإمتلاك لبنان ووضع اليد عليه»، رفض «نواب الـ 13» منطق «الاصطفاف الأرعن»، وأن يكونوا «رقماً إضافياً في المعادلة الظلاميّة النكراء، التي لن تفضي في أيّ حالٍ من الأحوال إلّا إلى مفاقمة الهول الأعظم وصولاً إلى التحلل والزوال والاندثار».
وتفادياً لأي فراغ واستباقاً له طرح «نواب الـ 13»، الذين عبروا عن أنهم «مشروع سياسي جديد، مشروع الكتلة التاريخيّة العابرة للاصطفافات الطائفيّة والمناطقية والزبائنيّة»، صفاتهم ومواصفاتهم للرئيس، والتي لم تخلُ من أيٍّ من المصطلحات السياسيّة والقانونيّة المرموقة التي تتضمنها معاجم وقواميس اللغة العربية، مشيرين إلى أن الإخفاق في إنتخاب رئيس وفق مبادرتهم سيؤدي إلى أن «يلعننا التاريخ وأبناؤنا وأحفادنا والعالم كله».
وإذ رسم الشق الثالث من «الوثيقة» المعايير الواجب على الرئيس الإرتكاز عليها ومحاولة تطبيقها، إنطلاقاً من أهمية موقعه والدور الذي أُنيط القيام به وفق الدستور، فنّد الشقّ الرابع الخطوات الهادفة إلى ترجمتها عبر عقد سلسلة من المشاورات الشعبيّة والسياسيّة في لبنان والخارج مع جميع القوى بهدف الوصول إلى الإتفاق على اسم الشخصيّة الإنقاذية التي تتوافر فيها المعايير والشروط المطلوبة للوصول إلى سدة الرئاسة وإنقاذ الدولة والوطن والناس.
وإلى حين تبيان المسار الذي ستؤول إليه لقاءات «نواب الـ 13» مع قوى «المنظومة» كما غالبية الكتل النيابية، برز تأكيدهم على أن «كلّ رفضٍ لهذه المبادرة، هو رصاصة في رأس لبنان!»، لتبقى العبرة في الإفصاح عن هوية الرئيس العتيد «الإنقاذي»، والذي ومن الصوابية في مكان، أن لا يتم التعويل كثيراً على رئيسٍ «يفسر الماء بالماء»، وذلك للحدّ من الإحباط المفرط والإنتكاسات التي تطبع الإستحقاقات الدستورية قبل قيام «دولة» قادرة على إحتكار القوة وبسط سلطتها على كافة المؤسسات ورسم حدودها ومصالحها الداخليّة والخارجيّة.