يعتبر المرجع السيد كاظم الحائري من أبرز المراجع الشيعية الحالية، الذي عدّ قرار تنحيه عن المرجعية منذ أيام، واحداً من السوابق التاريخية لدى الحوزات والمراجع، كما كان لهذا القرار تداعيات مهمة في الساحة العراقية، لناحية العلاقة مع التيار الصدري زعيمه السيد مقتدى الصدر.
فما هي أهم وأبرز المحطات في مسيرة وحياة السيد الحائري؟
_من مواليد 1938/10/5 في كربلاء. ولُقّب بالحائري، نسبة إلى ولادته وولادة أبيه من قبله في كربلاء المشتملة على الحائر الحسيني.
_له خمسة أشقّاء استشهد واحد منهم في سجون صدام حسين تحت التّعذيب، وهو الشّهيد السّيّد محمّد علي الحائري.
_هاجر مع والده إلى النجف الأشرف منذ الصغر، وتزوج بابنة عمه في الثّانية والعشرين من عمره، فأنجبت له أربعة بنين:
هم الشّهيد السّيّد جواد الذي استشهد في الحرب المفروضة في إيران، والسّيّد صادق والسّيّد علي والسّيّد محمّد رضا.
مسيرته الحوزويّة:
_بدأ الدّراسات الدّينيّة في الحوزة العلميّة في النّجف، وهاجر إلى إيران سنة 1974، حيث واصل نشاطه العلميّ في الحوزة العلميّة في قمّ المقدّسة، وأسّس أوّل حوزة علميّة باللّغة العربيّة فيها.
_أنشأ مؤسسة لإرسال المبلّغين إلى مختلف المناطق ومتابعة أمورهم، وأسس حوزة علميّة بعد سقوط النّظام البعثيّ في العراق عام 2003.
_هو ممّن يرون ضرورة التّغيير والتّجديد في المنهجيّة السّائدة للدّراسات الحوزوية وكذا في الدّراسات العليا (بحوث الخارج).
مكانته:
_يعدُّ من مراجع التّقليد المعاصرين في القرن 15 هـ وأحد أبرز تلامذة السيّد محمّد باقر الصدر.
_بعد استشهاد أستاذه، رجع إليه الكثير من العراقيّين في التّقليد وفي إدارة شؤونهم السّياسيّة.
_إنّ للشهيد الصدر الأول، السّيّد محمّد باقر الصّدر، مواقف وكلمات تدلّ على عنايته الفائقة وأمله العريض بتلميذه السّيّد الحائري، کما أنّ الشهيد الصّدر الثّاني، السّيّد محمّد صادق الصّدر، کان يحثّ طلبة العلم على الرّجوع إلى تقريرات السّيّد الحائري عن أستاذه الصّدر الأوّل. حيث ذکر أنّ الصّدر الثّاني قال عنه: “أنا أعتقد أنّ الأعلم من بعدي جناب آية الله العظمى السيّد كاظم الحائري وأوصي بالرّجوع له تقليدًا وقيادةً”.
مؤلّفاته:
_أساس الحكومة الإسلاميّة: دراسة استدلاليّة مقارنة بين الديمقراطيّة، والشورى، وولاية الفقيه.
_ولاية الأمر في عصر الغيبة: بحث فقهيّ استدلاليّ يتناول أهمّ الأسئلة التي تثار على ولاية الأمر في عصر غيبة الإمام المنتظر (عج).
_دليل المجاهد: وهي مجموعة من الفتاوى في الأسئلة التي وردت على سماحته فيما يرتبط بعمل المجاهدين ضد الحكومة البعثيّة في داخل العراق.
_القضاء في الفقه الإسلاميّ: دراسة استدلاليّة تتناول أهمّ مباحث القضاء في الفقه الإسلاميّ مقارناً في جملة منها بالفقه الوضعي.
_الإمامة وقيادة المجتمع: تحدّث فيها عن منصب الإمامة للأئمّة المعصومين (عليهم السلام) وعن قيادتهم للاُمّة.
_مباحث الاُصول: وهي من تقريرات السّيّد لبحث أُستاذه الشّهيد الصّدر مع تعليقاته عليه.
_بعض المقالات التي كتبها:
1)أدوار التّاريخ في القرآن الكريم.
2)نظرة الإسلام إلى الحقوق الزّوجيّة.
3)حقوق المرأة في الإسلام.
4)الولاية والحكومة في الإسلام.
نشاطه السّياسيّ:
_من مدينة قمّ المقدسة، واصل عمله الجهادي حيث كان يتواصل مع أستاذه السّيّد محمّد باقر الصّدر عن طريق المراسلات التي كانت بينهما.
_بعد استشهاد أستاذه الشهيد محمد باقر الصدر؛ واكب الحركة الإسلاميّة العراقيّة خدمة لمصلحة الوعي الإسلامي ّالحركيّ في العراق.
_بعد استشهاد الشهيد السّيّد محمّد صادق الصّدر تصدّى وبشكل أكبر وأوسع لرعاية المدّ الإسلامي الثّوري داخل العراق.
_قُبيل سقوط النّظام البعثيّ واحتلال العراق وبعده أيضاً واصل السّيّد الحائري إرشاداته بإصدار بيانات متناسبة مع الأحداث، ومن جملتها بيانه المعروف في إهدار دم رموز البعثيّين في العراق: (إن الأمريكان قد أبقوا أيدي البعثيين الصداميين مفتوحة للعبث بالعراق مرة أخرى بلا رادع ولا مانع، لأن هدفهم من السلطة المباشرة على العراق ومن دون توسط عميلهم وقد حصل، ولم يكن يهمهم تحرير الشعب العراقي حقاً من أسر البعثين الصداميين، فأصبح عملاء صدام يعملون لإرجاع قوة البعث العراقي لكبتنا مرة أخرى).
_استنكر السيّد الحائري في بيان له الاعتداء الصهيوني على مقرّات الحشد الشعبيّ في العراق في آب 2019. وشدد على “حرمة إبقاء أيّ قوّة عسكرية أمريكيّة وما شابهها تحت أيّ عنوان كان. إنّنا نعلم كما يعلم الجميع أنّ الساسة الأمريكان لا يمتلكون الشجاعة والكفاءة اللازمتين للاتعاظ والاستفادة من انتكاساتهم في أفغانستان واليمن وسوريا وفلسطين حيث ضيّعوا المليارات من ثروات بلادهم، وأراقوا دم مواطنيهم في مغامرات فاشلة ومؤامرات خبيثة في عالمنا الإسلاميّ والعالميّ، إلى الحدّ الذي جنّدوا فيه كلّ عملائهم وقواعدهم في المنطقة والعالم لضرب القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان.. واليوم نجدهم يبذلون قصارى جهودهم للجلوس مع بعض هذه الوجودات والتفاوض المباشر معها للخروج بمشروع يتصالحان عليه.. وأنّ مشروع (داعش) كان بإدارتهم إلى الحدّ الذي نقلوا قياداته من سوح المعركة بمروحيّاتهم جهاراً حينما خسروا المواجهة مع أبنائنا في القوّات المسلّحة الشجاعة بعد أن أنفقوا على تشكيله المال والجهد البالغين”
_شدد السيد الحائري على حرمة “إبقاء القوّات الأمريكيّة وحلفائها، وأنه “لا بدّ من العمل الجادّ لصون أرضنا، وحفظ حرماتنا، فلا شرعيّة لهذه القوّات على أراضينا.” وذلك عقب استشهاد الحاج قاسم سليماني والشهيد المهندس؛ مؤكدًا أنه “على المسؤولين تبني إلغاء الوجود الأمريكيّ أو ما يسمّى بقوّات التحالف من أرض وطننا الحبيب. وأدعو الفصائل المجاهدة والغيورة وأبناء عشائرنا الشريفة الذين سطّروا الملاحم المشرّفة في طرد الغزاة الداعشيين، بل العلماء المعظّمين في الحوزات العلميّة المباركة أن يكونوا على جاهزية تامّة في مواجهة العدوّ المحتل ويقفوا صفّاًّ واحداً متراصّاً بعيداً عن كلّ خلاف مضى مساندين لرجال القرار في الحكومة في تبنّي مشروع إلغاء الوجود الأمريكيّ”.
_ردًّا على صفقة القرن، أعلن السيد الحائري جاء فيه: “إننا نرى في هذه الصفقة إهانة للقدس الشريف، وإذلالاً لشعبنا في فلسطين، وهدراً لحق العودة لأبنائه، ونزعاً لسلاحه المقاوم، وتوسعة للأرض المغتصبة، وهيمنة للصهاينة على كرامته، إذ لم تبق له إلا التفاوض على الجزء اليسير المتبقي من أرض فلسطين بعد جعل معظمها تحت الهيمنة الإسرائيلية”.
_كان للسيد الحائري موقفًا مهمًّا إبان الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، حيث أصدر بيانا تفصيليا، وقد كان أهم ما جاء فيه:
أوّلاً: ضرورة المشاركة الفعّالة والواسعة في الانتخابات بالذهاب إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بالرأي وعدم التهاون في ذلك.
ثانياً: يجب إيصال المؤمنين الأكفّاء إلى البرلمان، ممّن يهدفون إلى خدمة بلادهم وشعبهم بصدق وأمانة ويعرفون بسيرتهم الحسنة بين الناس والبعيدين عن تأثيرات المستكبرين.
ثالثاً: يحرم إعطاء الصوت والتأييد لكلّ من يدعو لبقاء قوّات الاحتلال على أرض العراق، أو لا يدعو إلى إخراجها.
رابعاً: يحرم انتخاب من ينصب العداء لقوى الحشد الشعبي حُماة الوطن والقيم، أو من يستتر خلف دعاوى دمج الحشد مع القوّات الأمنيّة لتضعيفه أو تمييعه، سعياً وراء إرضاء الأجانب الأعداء والفاسدين الذين يعدّون العدّة للمكر بالعراق ومحاربة قيمه ومجاهديه وأهله الصالحين.
_بيانه الذي رفض فيه شرعيّة الدّستور المؤقّت للعراق، وذكر فيه: “إنّ هذا الدستور بحذافيره دستور غير شرعي، وليس ملزماً لأحد من المسلمين. وقد أمر مكتبه بإعداد دستور دائم للبلاد، وقد طبع ونشر باسم (لبنة أوّليّة مقترحة لدستور الجمهوريّة الإسلاميّة في العراق).
_استنكر السيد الحائري في بياناته دخول قوّات التّحالف في العراق عام 2003، وأكّد أنّها قوّات احتلال، وليست قوّات تحرير، كما أكّد في كثير من بياناته لزوم التوحّد والتآزر والتّكاتف بين أبناء الشعب، واحترام المراجع وعلماء الدّين.
قرار التنحّي عن المرجعية:
أصدر السّيّد الحائري في 29 آب 2022؛ بياناً أعلن فيه التنحّي عن المرجعية، وذلك بسبب المرض والتقدّم في العمر، وقد جاء في البيان:
“اليوم إذ تتداعى صحّتي وقواي البدنيّة بسبب المرض والتقدّم في العمر، صرت أشعر بأنّها تحول بيني وبين أداء الواجبات الملقاة على كاهلي -كما اعتدت على النّهوض بها سابقاً- بما لا يحقّق الكمال والرّضى، لذا اُعلن عدم الاستمرار في التصدّي لهذه المسؤوليّة الثّقيلة والكبيرة، وإسقاط جميع الوكالات والاُذونات الصّادرة من قبلنا أو من قبل مكاتبنا وعدم استلام أيّة حقوق شرعيّة من قبل وكلائنا وممثّلينا نيابة عنّا اعتباراً من تاريخ إعلاننا هذا.“
ولابدّ ليّ من كلمات أخيرة اُوصي بها أبنائي المؤمنين:
أوّلاً: على جميع المؤمنين إطاعة الوليّ قائد الثورة الإسلاميّة سماحة آية الله العظمى السّيّد عليّ الخامنئي (دام ظلّه)، فإنّ سماحته هو الأجدر والأكفأ على قيادة الاُمّة وإدارة الصراع مع قوى الظلم والاستكبار في هذه الظروف التي تكالبت فيها قوى الكفر والشرّ ضدّ الإسلام المحمّدي الأصيل.
ثانياً: اُوصي أبنائي في عراقنا الحبيب بالأمور الآتية:
أ- الحفاظ على الوحدة والانسجام فيما بينهم وعدم التّفرقة، وأن لا يفسحوا المجال للاستعمار والصّهيونيّة وعملائهم بإشعال نار الفتنة والتناحر بين المؤمنين، وأن يعلموا أنّ عدوّهم المشترك هو أمريكا والصهيونيّة وأذنابهم، فليكونوا أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم.
ب- تحرير العراق من أيّ احتلال أجنبي ومن أيّ تواجد لأيّة قوّة أمنيّة أو عسكريّة، وخصوصاً القوّات الأمريكيّة التي جثمت على صدر عراقنا الجريح بحجج واهية، وعدم السّماح ببقائها في العراق بلد المقدّسات، وإنّ إبقاءهم يعتبر من أكبر المحرّمات عند الله تعالى، كما بيّنا ذلك في بيانات سابقة.
ج- أدعو المتصدّين للمناصب والمسؤوليّات للقيام بوظائفهم الشّرعيّة والتي عاهدوا الشّعب على تحقيقها، والابتعاد عن المصالح الشخصيّة والفئوية الضيّقة، التي جرّت الويلات على أبناء الشّعب العراقيّ المظلوم. ففي ذلك أمان لهم وعزّة للشّعب واستقرار للبلاد.
د- على العلماء وطلبة الحوزة الدينيّة والنخب الثّقافيّة والكتّاب الواعين والمخلصين العمل على توعية أبناء الشعب، حتّى يميّزوا بين العدوّ والصّديق ويدركوا حقيقة مصالحهم ولكيلا يتمّ استغفالهم والاستخفاف بهم ونزع الطاعة منهم فيما لا يعرفونه ولا ينفعهم، وحتّى يتعرّفوا على مكائد الأعداء ومؤامراتهم فيستأصلونها، أو على الأقلّ لا يقعون فريسة لأهدافهم المغرضة والضّالّة.
ھ- على أبناء الشّهيدين الصّدرين (قدّس الله سرّهما) أن يعرفوا أنّ حبّ الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصّالح والاتّباع الحقيقيّ لأهدافهما التي ضحّيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرّد الادّعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين (رضوان الله تعالى عليهما)، أو يتصدّى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشّرائط المشترطة في القيادة الشرعيّة فهو -في الحقيقة- ليس صدريّاً مهما ادّعى أو انتسب.
و- اُوصي جميع المؤمنين بحشدنا المقدّس ولابدّ من دعمه وتأييده كقوّة مستقلّة غير مدمجة في سائر القوى، فإنّه الحصن الحصين واليد الضاربة والقوّة القاهرة للمتربّصين بأمن البلاد ومصالح أهلها إلى جانب باقي القوّات المسلّحة العراقيّة، كما بيّنّا ذلك وأكّدناه مراراً”.
الكاتب: الخنادق