كتّاب الديار
أجل … أعصابكَ يا سعادة السفير!
لقد اعتدنا على تغريداتكَ التي مثلما تنطوي على الثراء اللغوي والثراء الثقافي، تنطوي على الدهاء اللغوي والدهاء الثقافي.
في لبنان، وكما تعلم، لا داعي للدهاء الديبلوماسي لأن باستطاعتك أن تمشي وأنت تنتعل حذاءك، على أكتاف العديد من أهل السياسة ومن أهل السلطة، الذين احترفوا في ما مضى، الرقص بين سراويل القناصل، والآن بين عباءات من ندعو لهم بطول العمر …
السفير وليد البخاري بدا بوجه ملبد، وهو يطالب برأس معارض مجهول وضحل، حين يطلق تلك التهديدات التي تظهر مدى الهشاشة ومدى الارتجال في شخصيته .
اذ نتصور، بل نؤكد، أن الجميع في لبنان، بمن فيهم أولئك الذين يناوئون السياسات السعودية، يرفضون الحاق الأذى بالسفير أو بالسفارة . اللبنانيون ملوا من ثقافة الأبواب المقفلة، مع أن صدور وظهور الكثيرين عندنا مشرّعة لكل الرياح . لا داعي اذاً لايحاء البعض بعقوبات اضافية اذا لم نسلّم علي هاشم .
يكفينا شقاء، ولطالما عانينا من شقاء الأشقاء الذين منعوا حتى استيراد البطاطا والتفاح والبطيخ. أي عقوبات بعد العقوبات ؟ لم يعد أمام أهل القرار سوى أن يمنعوا فنانينا وفناناتنا من المشاركة في عملية التحول من زمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الى زمن جون ترافولتا و»الهيب هوب» .
هؤلاء الفنانون والفنانات الذين على كوكب آخر . لم نر أياً منهم يقدم ولو ربطة خبز الى أبناء بلده أو الى أبناء بلدته . بعضهم أدار ظهره حتى لأفراد عائلته، لتستوطن الثروات في بنوك الآخرين .
لا تنقص سعادة السفير الاحاطة بكل تفاصيلنا، ليعلم أن لبنان ليس سوى دكان صغيرة لانتاج الكبتاغون، مقارنة بما تفعله الكارتلات الدولية العريقة في تسويق الكوكايين والأفيون والماريغوانا التي تغزو كل مجتمعات العالم، وترى في السعودية دولة جبارة مالياً واقتصادياً . أي أنها يمكن أن تشكل سوقاً هائلة لتلك المواد القاتلة .
السفير يعلم أن التهريب في لبنان تقليد تاريخي . البعض يتحدث عن «عبقرية» اللبنانيين في هذا المجال . أحدهم من مدينة زحلة، وقد اختفى في ظروف غامضة، كان ينقل الحشيش الى مصر، ابان عهد الملك فاروق وبعده، في بطون الجمال أو في طرابيش الباشوات …
دعونا نتساءل لماذا العقوبات على المنتجات اللبنانية دون منتجات دول أخرى ؟ نحن جماعة «الحيط الواطي»!
الكل يعلم أننا في دولة الرمق الأخير، وأن المؤسسة العسكرية، كذلك المؤسسات الأمنية، تعاني من ضائقة مروعة . بالرغم من ذلك تبذل محاولات خارقة للحد من عمليات التهريب، والى المملكة بالذات، ولضرب عصابات الانتاج في عقر دارها، حتى أن حكوماتنا الغراء لم تتجرأ على زراعة القنب الهندي لأغراض طبية، مانعة عن البلاد مئلت ملايين الدولارات الطازجة .
المثير هنا أنه ما من مرة لوحت المملكة بطرد اللبنانيين الذين يعملون، ومنذ عشرات السنين على أراضيها . الذين يوحون بذلك بعض ناقري الدفوف الذين يحذرون من عدم تسليم المعارض المطلوب، والذي يتردد أنه ذاب أو تم تذويبه بطريقة ما .
نقول لهؤلاء انهم، بسياسات التخويف، يوجهون الاهانة الى المملكة والى أهل المملكة . هل فكرت بلدان مثل أميركا أو كندا أو فرنسا أو حتى بوركينا فاسو، بطرد اللبنانيين العاملين فيها لمعاقبة السلطة اللبنانية؟ السعوديون اشقاء مهما عبثت بنا الصراعات التي في معظمها، صراعات عبثية. «صراع حول ملكية الهواء»، كما قال لنا الأخضر الابراهيمي .
انه لبنان، يا سعادة السفير . ظاهرة شاذة في المنطقة . حكامه جعلوا منه ظاهرة شاذة في التاريخ. نعلم كيف طلبوا منك في الرياض استعادة هاشم بأي ثمن . هذا لا يمنع من أن تحتفظ باعصابك وبتغريداتك، التي هي فعلاً حالة لافتة في اللغة الملتبسة، واللغة الحمالة أوجه .
لبنان دولة حمالة أوجه، وتحكمها منظومة سياسية ودينية واقتصادية بكل أهوال، … حمالة الحطب!!