وحذر فرانس تيمرمانز، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، رئيس سياسة المناخ في الاتحاد، في مقابلة مع صحيفة الغارديان من مخاطر “الصراع الشديد للغاية” في أوروبا بسبب أزمة الطاقة، مؤكدا الحاجة إلى العودة قصيرة المدى إلى الوقود الأحفوري لتفادي خطر “الاضطرابات المدنية”.
وعزا ثاني أكبر مسؤول في الاتحاد هذه التهديدات، التي قال إنها “متعمدة” إلى غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، وقال إن أمن الطاقة يجب أن يكون له الأسبقية على أزمة المناخ.
وقال: “إذا انحدر مجتمعنا إلى صراع قوي جدا لأنه لا توجد طاقة، فإننا بالتأكيد لن نحقق أهدافنا (المناخية). من المؤكد أننا لن نصل إلى ما نحتاج إليه، إذا أدى نقص الطاقة إلى اضطراب شديد في مجتمعاتنا، ونحن بحاجة للتأكد من أن الناس لن يعانوا من البرد الشتاء المقبل”.
وأضاف: “أعمل بالسياسة لفترة طويلة بما فيه الكفاية، أكثر من 30 عاما، لأدرك أن الناس أكثر قلقا بشأن الأزمة الحالية، وليس بشأن الأزمة طويلة الأجل، وإذا لم نعالج الأزمة الحالية، فسنكون بالتأكيد خارج المسار مع الأزمة طويلة الأمد”.
ويطمح المسؤول الكبير إلى طمأنة الأوروبيين، بحلول الأول من تشرين الثاني، من أنهم لن يواجهوا أزمة في تدفئة منازلهم هذا الشتاء.
وقال: “أعتقد بصدق أنه إذا لم نتمكن من تقديم هذا الضمان، فإن المجتمع سيكون في حالة توتر، كما هي الحال في كل مكان بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية بسرعة، بسبب حالة عدم اليقين التي سببتها الحرب”.
واعتبر أن “بوتين يستخدم كل الوسائل التي لديه لإثارة الفتنة في مجتمعاتنا، لذلك علينا أن نعد أنفسنا لفترة صعبة للغاية”.
ودعا إلى استخدام الفحم، وقال: “إذا كنا نقول فقط لا مزيد من الفحم في الوقت الحالي، فلن نكون مقنعين وسنساهم في زيادة التوترات داخل مجتمعنا”.
وارتفعت أسعار الطاقة في جميع أنحاء العالم نتيجة جائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا، وقد تضررت أوروبا بشكل خاص، بسبب اعتمادها بشكل عام على الغاز الروسي، وذلك بنسبة حوالي 40 في المئة، خاصة ألمانيا.
العودة إلى الوقود الأحفوري
وبسبب تراجع تدفقات الغاز الروسي، بدأت الحكومة الألمانية في إنتاج الكهرباء من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وعمل المستشار الألماني، أولاف شولتز، على تغيير موقف “مجموعة السبع” بشأن حظر الاستثمار الخارجي في مشروعات الغاز، للمساعدة في استكشاف حقول الوقود الأحفوري الجديدة في البلدان النامية.
وصوت البرلمان الأوروبي لتصنيف بعض مشروعات الغاز والطاقة النووية على أنها طاقة “نظيفة” لأغراض الاستثمار، مما أثار استياءنشطاء المناخ.
وأعلن المسؤول الأوروبي، تيمرمانز، الذي يقود مفاوضات الاتحاد الخاصة بالمناخ دعمه التوسع في استكشاف الوقود الأحفوري في أفريقيا رغم تحذيرات قادة المجتمع المدني.
وقال: “مع النقص الهائل في الوقود الأحفوري، كيف يمكنك أن تقول لأي شخص لديه وقود أحفوري:” لا يجب أن تستغل ذلك؟”. كيف لا نواجه التحدي الفوري المتمثل في الاضطرار إلى إيجاد بدائل للغاز الروسي، والقول للآخرين:” لا ينبغي أن تستغل الغاز “. سيكون هذا نفاقا”.
وقلل المسؤول من التوقعات بشأن مؤتمر المناخ المقبل Cop27 المقرر في شرم الشيخ المصرية في نوفمبر المقبل، وتقديم وعود جديدة بشأن خفض الانبعاثات إلى 1.5 درجة مئوية التي أقرتها اتفاقية باريس للمناخ في 2015.
مستقبل أمن الطاقة
وشرح الكاتب الاقتصادي، دانيال يرغين، على موقع وول ستريت جورنال، كيف تحول العالم من حالة الاطمئنان لوجود مصادر للطاقة إلى حالة الأزمة.
وأوضح أن القلق العام بشأن أمن الطاقة “تبدد خلال العقد الماضي”، قبل أن تتسبب أزمة الطاقة الأخيرة في زيادة التضخم وتفاقم مشاعر الغضب بين المستهلكين.
واعتقد العديد من المراقبين أن الطلب على النفط قد بلغ ذروته، عام 2019، وأنه سيتم استبداله بسرعة بمصادر الطاقة المتجددة، ويبدو أن الطلب المنخفض أثناء عمليات الإغلاق بسبب الجائحة أثبت صحة هذا التقييم.
ومع ذلك، فإن هذا التصور “ناقض الواقع”، وانتعش الطلب على النفط والغاز مع انتهاء عمليات الإغلاق وانتعاش الاقتصادات، بينما لم يكن بالإمكان مواكبة الطلب، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى قلة الاستثمار في مصادر الطاقة التقليدية.
ويقول يرغين في مقاله إن الطلب القوي على النفط وضعف العرض مهد الطريق لأزمة الطاقة العالمية التي بدأت في الظهور في الخريف الماضي.
وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تحويل أزمة الطاقة والأزمة الاقتصادية إلى أزمة جيوسياسية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر.
وطيلة نصف قرن، كانت روسيا، وقبل ذلك الاتحاد السوفييتي، تروج لنفسها على أنها “مورد موثوق” للنفط والغاز الطبيعي، خاصة إلى أوروبا.
وتم قبول هذه الفكرة على نطاق واسع في القارة على أساس أن الاعتماد المتبادل سيفيد كلا الجانبين من خلال ما أسماه الألمان “التغيير من خلال التجارة”.
وكانت ألمانيا واثقة جدا من هذه العلاقة لدرجة أنها قررت، عام 2011، وقف صناعة الطاقة النووية، التي كانت توفر ربع احتياجاتها من الكهرباء في ذلك الوقت.
ويرى الكاتب أن روسيا، بعد غزو أوكرانيا، افترضت أنه لن يكون أمام أوروبا في النهاية خيار سوى القبول بغزوها لأوكرانيا، لكنها بدأت في البحث عن مصادر بديلة، “وبالتالي، فإن الدول التي كانت في السابق تولي القليل من الاهتمام لأمن الطاقة، اضطرت إلى البحث، بشكل عاجل، عن إمدادات بديلة موثوقة”. وفق رأيه.
عقبات
لكن الكاتب يشير إلى أن التحول إلى الطاقة النظيفة سوف يحتاج إلى بعض الوقت ولن يحل إلا جزء من المشكلة، ولن يتم التحول إلى الطاقة المتجددة دون أمن الطاقة، “والذي يتطلب، على الأقل خلال العقود العديدة القادمة، الوصول إلى مجموعة متنوعة وموثوقة من مصادر الطاقة”.
ويشير إلى أنه لا توجد دولة تقوم بتحويل سريع وحازم من الاعتماد على الطاقة الروسية مثل ألمانيا، التي بدأت ببناء العديد من منشآت الغاز الطبيعي المسال، وهو أمر رفضت لعقود القيام به، وسمحت بإعادة تشغيل المحطات التي تعمل بالفحم لدعم إمدادات الطاقة قبل الشتاء.
وفي فرنسا، التي وعد رئيسها، إيمانويل ماكرون، بفكرة إغلاق 14 مفاعلا نوويا وتقليل اعتماد البلاد على الطاقة النووية، يدعو حاليا إلى إنشاء ستة مفاعلات نووية جديدة وربما ثمانية أخرى.
وفي المملكة المتحدة، أعطت الحكومة الضوء الأخضر لتطوير حقل غاز جديد في بحر الشمال.
وأرسلت الدول الأوروبية بعثات إلى الولايات المتحدة وأفريقيا بحثا عن المزيد من النفط والغاز والفحم.
ويشجع الاتحاد الأوروبي على تطوير حقول غاز شرق البحر المتوسط في إسرائيل ومصر كبديل للطاقة الروسية.
وفي الولايات المتحدة، وضع الرئيس، جو بايدن، الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة في صلب أجندته، لكن مع ارتفاع أسعار البنزين، حثت إدارته الشركات على إنتاج المزيد من النفط والغاز وتكرير المزيد من البنزين ووقود الديزل.
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة ارتفاع إنتاج النفط الأميركي بنحو 800 ألف برميل يوميا على مدار العام.
ويتوقع الكاتب أن يزداد الأمر سوءا، خلال الأشهر القليلة المقبلة بالنسبة لأمن الطاقة، مع تصعيد بوتين لحرب الطاقة، وزيادة الطلب في الصين على النفط بعد إنهائها للإغلاقات، وزيادة الخلل بين العرض والطلب.
وكان الكتب قد حذر، خلال ندوة عقدت في نيسان 2021، من أن الانتقال إلى اقتصاد خال من الانبعاثات “سيستغرق وقتا، ولن يحدث بين عشية وضحاها”.
وقال ييرغين في الندوة عقدتها شركة إديسون إلكتريك إن الأمر “استغرق خمسة عقود من طاقة الرياح والطاقة الشمسية لتأخذ مكانها المناسب وتقلل التكاليف، واستغرق قرنا على الأقل حتى تكسب السيارات الكهربائية أرضا”.
وقال يرغين: “نحن نعرف ما الذي يتعين علينا القيام به حتى عام 2050 لكن كيف نصل إلى هناك غير واضح”. (الحرة)