في بلد تهتم “مرتى الدولة بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد، يسهل فيه تعميم التوصيفات وفرز المناطق” غب الطلب”، تماما كما تمر الكوارث” والمصايب” كزوبعة في فنجان، رغم ان الضحايا في كل الحالات بشر وحجر لا ناقة لهم ولا جمل، ذنبهم انهم لبنانيون بالولادة، مصيبتهم هي هي طبقة سياسية حاكمة” ما كلت ولا ملت”، من الرقص على قبورهم.

ومن عجائب التاريخ ان البلد الذي اعتاد استقبال اللاجئين الساعين للحماية على أرضه، بات يخسر شيبه وشبابه واطفاله في البحر، تائهين بحثا عن “شط حياة” ، بعدما كانوا يبحرون في طول البحار وعرضها، وما بعدها، حاملين معهم الفكر والعلم والحلم، رافعين لواء بلادهم أينما حلوا، لتتحول “قوارب الموت” المدارة من شبكات تهريب والتجار بالبشر إلى القشة التي يتعلق بها البعض للنفاذ “بجلدهم” من جهنم، ليموتوا غرقا في بحرها لا حريقا في نارها، وسيان بين الاثنين “تشنشط عا طريقها”.

مشهد تختزل صورته شواطئ طرابلس التي أصبح “جسمها لبيس” لكل انواع المصائب، وبات” سيطها” ومحيطها في الهجرة غير الشرعية لا يعلى عليه، فبين مركب “زمط”، وآخر غرق، واحد “وقع بايد الدولة ” في احدى عملياتها الاستباقية المدوزنة على إيقاع اجندات معينة، تتضارب فيها وعندها في الكثير من المرات مصالح الأمن والسياسة، لتكون النتيجة والثمن من كيس “المعتمرين”.

من بين هؤلاء ضحايا المركب الاخير الذي اثار “فضائح” بالجملة لعبت فيها ومعها السياسة دورا اساسيا، بعدما عملت جهة سياسية معروفة على تحريك الشارع وتأليبه ضد قائد الجيش لأهداف ترتبط بالانتخابات الرئاسية، متخطية الخطوط الحمر في “دفشها “المطالب نحو الاصرار على تحويل القضية أمام المجلس العدلي، مستفيدة من ألم أهالي الضحايا وضياعهم، في سابقة قضائية لا تحمد عقباها بالنسبة لتداعياتها على مستقبل المؤسسة العسكرية، في ظل القوانين المرعية الإجراء حاليا.

في كل الأحوال، وبعيدا عن الاستثمار السياسي لكل مصيبة والذي يمتهنه البعض، يعيش أهالي الضحايا “جهنم يومية” لا من يخفف من نارها ، في دولة نفض رعاتها يدهم من أبناء الرعية، احياء واموات، ليتكفل بهم الله ومن وفقه بعبور البحر إلى ما ورائه آمنا، ليقدم اهل الخير في اوستراليا الدعم والمساعدة، حيث نجحت مجموعة في الاغتراب من تأمين المبالغ اللازمة لاستئجار غواصة مخصصة لعمليات إنقاذ مماثلة.

المفاوضات مع الشركة المشغلة لم تكن سهلة، خصوصا في ظل الأوضاع الدولية الراهنة وارتفاع كلفة التأمين البحري، خصوصا لعمليات مماثلة. ووفقا للمعطيات المتوافرة، فان العقبات التي حالت دون وصول الغواصة والباخرة التي تنقلها قد ذللت، وبالتالي ينتظر ان تصل إلى بيروت في غضون ثلاثة ايام لاتمام بعض الإجراءات الإدارية الروتينية قبل الانتقال إلى مقابل مدينة طرابلس للبدء بمهمتها بمساعدة القوات البحرية في الجيش اللبناني، بعدما ابدت اليرزة كل الانفتاح والتعاون والاستعداد لتقديم كل دعم قد يلزم في حدود الامكانيات المتوفرة.

وتشير المعطيات إلى أن العملية التي ستبدأ مع إنزال الغواصة إلى البحر لن تكون سهلة، وستواجهها الكثير من العقبات وفقا للخبراء، إذ من المعروف ان تنفيذ هكذا مهمات على أعماق كبيرة هو معقد ويستلزم مهارات وامكانات تقنية عالية، يؤكد العالمون انها متوافرة في الفريق الذي سيتولى رفع المركب وانتشال الجثث، فالغواصة “spices” من أحدث الغواصات المجهزة في هذا المجال، وفريق العمل يملك خبرة واسعة في إدارة هكذا مهمات.

الا ان المشكلة الأكبر تبقى في تحديد مكان المركب، إذ بحسب الخبراء تستلزم العملية ضرورة درس حركة التيارات البحرية تحت الماء في كامل الرقعة، فالاكيد ان المركب الغارق قد تغير موقع تواجد حطامه، بعد هذه الفترة الطويلة نسبيا، خاصة انه يعتبر صغيرا نسبة إلى قوة دفع التيارات، ما قد يكون قد تسبب في “تفككه”، إذ سبق لكاميرات البحث التي أنزلت ان انفجرت على عمق ٣٥٠ مترا، وعليه فان العملية قد تطول ولا يمكن تحديد سقف زمني قصير لها، كما أنه لا يمكن الجزم بما ستكون عليه النتيجة ، فكل الأمور حتى الساعة تبقى في دائرة التخمين، الا ان الأكيد هو أن الجهة الممولة نجحت في تأمين مبلغ إضافي على سبيل الاحتياط لتمديد مدة العقد مع الشركة المالكة للغواصة في حال استدعى الأمر ذلك.

مطالب الاهالي كثيرة، وهي حق وواجب، الا ان الوقائع بعد خمسة أشهر لن تسهل الأمور، وسط تضارب المعلومات، حول حال الادلة وسلامتها. فهل تكشف بقايا المركب الحقيقة التي يسعى الكثيرون وراءها فيُنصف الضحايا؟