كتّاب الديار
لماذا تستميت ادارة جو بايدن للعودة الى الاتفاق النووي في حين أن الايرانيين يضعون أعصابهم ـ كالعادة ـ في الثلاجة، ولا يتخلون، ولو لبرهة، عن ديبلوماسية حائكي السجاد؟
في اجابتنا نستند الى مقالات، أو الى ما بين سطور، كبار المعلقين في الصحف، وعلى الشاشات، الأميركية. هؤلاء الذين يصفون مفاوضات فيينا بالأكثر تعقيداً، والأكثر ارهاقاً، في التاريخ، يرون أن فشل هذه المفاوضات يضع الادارة الحالية، وأي ادارة أخرى، أمام خيارات «هائلة»، وبتداعيات لا يمكن لأي كان التكهن بطبيعتها.
•غض الطرف عن حيازة ايران القنبلة النووية ما يزعزع كل القواعد، وكل المعادلات، الاستراتيجية التي أرستها الولايات المتحدة منذ الأربعينات من القرن الفائت، ودون أن تتشكل لديها الرؤية البانورامية، والبعيدة المدى، حول صياغة القواعد، والمعادلات، البديلة في ظل التقلبات الدراماتيكية التي تشهدها الكرة الأرضية.
•اثناء الاجتماعات السرية التي عقدها مجلس الأمن القومي, تمت بلورة سلة (أو سلسلة) من العقوبات التي تفضي, في نظر واضعيها، الى تفجير نظام آيات الله، وبعدما تحدث فرنسيس فوكوياما عن «شيخوخة الايديولوجيات»، (في مكان آخر من مقاله «موت الايديولوجيات» أو «شيخوخة التوتاليتاريات»).
العقوبات تنطوي على اجراءات من شأنها شل الاقتصاد الايراني بصورة كاملة، واقفال الأبواب التي تمكن من فتحها بقبول غير مباشر من السلطات الأميركية فرضته ظروف شتى.
•المؤكد أن آيات الله الذين يقول المعلقون أنهم يقيمون على تخوم الغيب، جاهزون للذهاب في خياراتهم الى أقصاها، وهم يمتلكون أكثر من مسرح عمليات في المنطقة لكي يفجروه في وجه الوجود الأميركي، وفي وجه المصالح الأميركية، وقد لوحوا بذلك أكثر من مرة، والى حد تهديد حياة الجنود الأميركيين، ما يستتبع الولوغ أكثر فأكثر في نيران، ووحول، الشرق الأوسط.
المثير هنا أن الجانبين الأميركي والايراني يتعرضان لضغوط حادة من الحلفاء للخروج من المراوحة الراهنة، وهي المراوحة القاتلة، ما يستدعي المعالجة الجراحية للوضع، حتى ولو اقتضى ذلك نشوب حرب كبرى، على مستوى الاقليم، وترسم مسارات جيوستراتيجية جديدة .
هذا ليس وارداً البتة لدى الادارة الحالية، وربما لدى أي ادارة تخلفها، كون المنطقة التي تتقاطع فيها اللوثة الايديولوجية واللوثة القبلية (دون اغفال اللوثة التاريخية) قد تشهد حرب المائة عام، أو حرب الألف عام، ما يترك انعكاسات بنيوية على الأمن الاستراتيجي الأميركي ما دام الشرق الأوسط الجدار الخلفي في أي صراع مستقبلي مع التنين الأصفر… يضاف الى ذلك أن الولايات المتحدة تخوض، في الشرق الأوروبي، حرباً تدافع فيها، وبكل جبروتها، عن النظام العالمي القائم والذي يكرس تفردها في قيادة البشرية، أيام المفترق، العودة الى الاتفاق النووي بالصيغة الأوروبية التي يعتقد الايرانيون أنها صيغة أميركية، أو العودة الى السياسات المتفجرة على امتداد المنطقة ومن سفوح جبال مران في اليمن الى ضفاف البحر المتوسط في لبنان.
لا الاسرائيليون ينتظرون ظهور «العمامة النووية» على رأس آية الله خامنئي الذي دأب على التهديد بازالة اسرائيل من الوجود، ولا الايرانيون ينتظرون ما وصفته قناة «فوكس نيوز» بـ «الجحيم الاقتصادي الذي يشعل بلادهم من ضفاف الخليج الى ضفاف قزوين».
اذا كان الرد الايراني سلبياً، لا مجال البتة لأن يفتح ثغرة أخرى لاستئناف المفاوضات، أو للعودة الى التجاذب السيزيفي بين واشنطن وطهران، وما بينهما. المنطقة، ولبنان جزء منها، ستكون أمام منعطفات حساسة للغاية. وضعنا قد يكون الأشد هولاً. لا حكومة، ولا رئيس للجمهورية، وربما لا جمهورية. أيام مصيرية. ما أمامنا، مرة أخرى، سوى الابتهال الى الله لعله يتذكر أنه وهبنا الحياة كي لا تكون هذه الحياة نسخة بالألوان عن جهنم.