كتّاب الديار
حدثان كسرا «جليد» الشلل السياسي الذي يعم البلاد، ومحورهما حزب الله. الاول ما يحكى عن «استدارة» جنبلاطية تجاه الحزب في ظل اقتراب البلاد من استحقاق رئاسة الجمهورية. والثاني تجديد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التأكيد على جهوزية المقاومة للذهاب بعيدا في ملف حماية الثورة الغازية، اذا اصرت «اسرائيل» على التنقيب في «كاريش» دون التوصل الى تسوية تضمن حقوق لبنان البحرية. واذا كانت «المختارة» تعيد حساباتها في محاولة لفتح صفحة جديدة تواكب مرحلة ما بعد عهد الرئيس ميشال عون في ظل «استياء» من هزالة المعارضة» بحثا عن «مظلة» جديدة تواكب احتمالات حصول تطورات ايجابية في الاقليم، فان «اسرائيل» تأخذ بجدية مطلقة كلام السيد نصرالله وتراه مستعدا للذهاب الى الحرب. والخلاصة ان البلاد امام اسابيع مفصلية داخليا وعلى الحدود وكل الاحتمالات واردة.
واذا كانت الحكومة «الاسرائيلية» الانتقالية برئاسة يئير لبيد تعتقد انها اجتازت باقل الاضرار الممكنة اختبار «بزوغ الفجر»، الا ان الاختبار التالي أصعب وأعقد بأضعاف، مع حلول الأسبوع الثالث من الشهر المقبل، عندما يحين موعد التنقيب المفترض في حقل «كاريش». وهذا يعني بحسب اوساط بارزة، ان الفترة الزمنية باتت قصيرة للتوقيع في الناقورة على اتفاق الترسيم»والا»… هذا التهديد المباشر اول من تبلغه اليونانيون في بيروت، حين حاولوا استيضاح امكان تعرض معدات الشركة اليونانية المنقبة للمخاطر، فكان الجواب «ابتعدوا عن المكان لان احدا لا يضمن ما يمكن ان يحصل»!
وبحسب الاعلام «الاسرائيلي» لا تؤخذ تهديدات السيد نصرالله بخفة، فالمجلس الامني المصغر انعقد بمشاركة كبار ضباط الاجهزة الامنية، وكانت الخلاصة ان حزب الله لا يشبه الجهاد الإسلامي، لا بكمية الصواريخ الهائلة التي تحت تصرفه ولا بالمدى، ولا بمستوى دقة بعضها، ولا في مجالات أخرى، مثل إدارة المعركة وسلسلة القيادة. ووفقا لكبار المسؤولين الأمنيين والسياسيين في «تل أبيب»، فأنّ السيد نصر الله في خطاباته الأخيرة يهيئ الرأي العّام في لبنان لإمكان اندلاع حرب لبنان الثالثة، ونقل «الاعلام الاسرائيلي» عن مصدر رفيع المستوى، ان حزب الله يتمتّع بقدرات عسكريّة كبيرة جدًا وهي تشكّل تحديًا. واضاف «نقوم دائمًا بالاستعداد على الجبهة الشمالية تحسبًا لاي مفاجآت».
ووفقا لصحيفة «يديعوت احرنوت الاسرائيلية»، فانّ نصر الله هو الشخصية العربيّة المعروفة جدًا لجميع «الإسرائيليين»، عندما يعلن عن خطبة سيُلقيها فإنّ الإعلام «الإسرائيليّ»، كما في الشرق الأوسط كلّه، يدخل في حالة يقظةٍ وترقّب، قبل وبعد الخطاب، ويقوم بتحويل كلّ اقتباس من نصر الله لعنوان.. اما الجنرال في الاحتياط، درور شالوم، الذي شغل حتى العام الماضي منصب رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، فاكد ان نصر الله شخصية فريدة في نوعها، لديه تفكير متطوّر، مع الكثير من الكاريزما وذكاء عاطفي كبير، وهذه الصفات هي التي جعلت حزب الله يتمتع بشعبية كبيرة، وخلص شالوم الى القول»لا يمكِن الاستخفاف بنصر الله، فهو شخص جديّ، وأثبت نفسه على مرّ السنين أنّه الخبير الأكبر في شؤون إسرائيل في الوطن العربيّ، وهو لا يزال العدو الأخطر على إسرائيل، لأنّه هو يعرفنا أكثر من الجميع، وهو يملك ضدنا ملفًا مفتوحا».
هذا الملف المفتوح على مصراعيه على الحدود، لاقاه جنبلاط بموقف انفتاحي على حزب الله، ووفقا لمصادر مطلعة، استمع زعيم «المختارة» جيدا الى نصيحة «صديقه» رئيس مجلس النواب نبيه بري حيال ضرورة «كسر الجليد» مع حزب الله، فيما البلاد على عتبة مرحلة جديدة عقب انتهاء عهد الرئيس ميشال عون الذي شكل «حجر عثرة» رئيسية في تقدم العلاقة في ظل اتهامات «المختارة» للحزب بمنح بعبدا حماية «عمياء» سمحت لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الحصول على مكانة وقدرة تفوق حجمه السياسي. والآن بعد تراجع حظوظه الرئاسية وافول عهد الرئيس عون، بادر جنبلاط الى الاستماع الى النصيحة كي يصار الى بناء تعاون وفق قواعد جديدة تساعد على ادارة شؤون البلاد في السنوات الستة المقبلة.
ويضاف الى ما تقدم غياب الثقة بين «المختارة» «ومعراب»، في ظل رفض جنبلاط منطق «التبعية» التي يحاول سمير جعجع فرضه على المعارضة عبر تنصيب نفسه «عرابا» لها. علما ان جنبلاط لم يثق يوما «بالحكيم» على الرغم من التعاون الانتخابي الاخير، «ورفقة» الضرورة في 14 آذار. وهو يقول في مجالسه الخاصة «لو ان باسيل لم ينقلب على اتفاق معراب، لكان جعجع ما يزال في مركب التحالف المسيحي لتقاسم المصالح والذي يفضله على اي شيء آخر، ودون الاكتراث لمصالح القوى والطوائف الاخرى». وكذلك تعلم جنبلاط كثيرا من احداث الماضي وليس راغبا اليوم في ان يورطه احد في نزاع مع حزب الله شبيه بما حصل في ايار2008 كما يدرك جيدا الان ان مساحة الالتقاء مع حزب الله ممكنة اكثر من اي يوم مضى في غياب الضغوط الخارجية التي تمنع ذلك في ظل الانكفاء السعودي عن الساحة اللبنانية.
وفي هذا السياق، يلتقي جنبلاط اكثر مع حزب الله حول امكان انتخاب الوزير سليمان فرنجية، في مقابل خلاف جذري مع «القوات» التي تؤيد انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون في حال كان هناك توافق عليه، كما قال جعجع… لكن الاهم ان جنبلاط يشعر «بالاستياء» من اداء كل نواب المعارضة ، وفي مقدمهم «التغييريون»، ويشعر انهم غير مؤهلين لقيادة جبهة موحدة بسبب تشرذمهم وقلة خبرة اغلبيتهم.
ومن هنا يستعد جنبلاط» لخلط الأوراق» بحثا عن رئيس جمهورية جديد لا يشبه الرئيس عون، ويراهن على حصول انفراج في مفاوضات فيينا النووية، وكذلك المفاوضات السعودية – الايرانية، ويهيىء الاجواء عبر اعادة الاعتبار للحوار مع حزب الله. واذا كان بالامكان الوصول الى «تسوية» رئاسية لن يمانع جنبلاط ذلك، لانه يخشى حصول فراغ يدخل البلاد في المجهول. ولهذا سيكون هذا الملف على «الطاولة» في الجولة الثانية من الحوار بعد جلسة اولى لـ «كسر الجليد». لا يحب «الاشتراكيون» تسمية ما يحصل بانه «انقلاب»، بل واقعية سياسية باتت ضرورية في بلد يقبع في «الجحيم» الذي قد يصبح امرا واقعا لا معنى «مجازيا»، اذا حصلت حسابات «اسرائيلية» خاطئة، وهو ما يخشى منه جنبلاط.