د. جيلبير المجبِّرْ-اللواء
يشير علم السياسة إلى أنّ النظام الانتقالي هو الإنتقال من النظام السياسي العادي التقليدي المتميِّزْ ربما بحالات عدم إستقرار وعدم ضبط القوانين وممارستها بالأطر السليمة إلى نظام إنتقالي متسِّم بترتيب الأوضاع بطريقة إنتقالية تعيد الأمور إلى نصابها القانوني ضمن فترة زمنية تشمل بعض الإصلاحات المطلوبة في فترة زمنية محدّدة ومتفق عليها بين المكونات السياسية التي يتألف منها المجتمع الذي يشكو من مشاكل يصعب حلّها والتي تتفاقم في حال عدم معالجتها، والوضع اللبناني ينطبق عليه هذا النوع من النظام الإنتقالي نظرًا للتعقيدات القائمة في البلاد.
من باريس وبمشاركة مكتب بيروت عقدنا ندوة عبر تطبيق Zoom meeting وشاركتنا بعض المراجع الدبلوماسية حول موضوع إمكانية طرح فكرة قيام نظام إنتقالي مرحلي في لبنان، لأنّ الانتقال السياسي عملية سياسية متدرّجة تسمح بالتحوّل من النظام السياسي العفن القائم حالياً إلى نظام شبه ديمقراطي سليم برعاية دولية يكون قائماً على حرية الإختيار والشرعية الشعبية والنزاهة والشفافية ومصلحة الدولة بكافة مندرجاتها. وإستناداً لأكثر من مشارك اعتبر أنّ المرحلة الإنتقالية يجب أن تمتّد لفترة زمنية محدّدة تتوّج بإنتخابات نيابية ديمقراطية بالفعل تنبثق عن إرادة شعبية حقيقية وتمتلك سلطات سيادية أحادية محددّة بنص دستوري يُحترم من قبل كل الأطراف.
وفق وجهة نظري ومقالتي موجّهة أولاً لصاحب الغبطة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وسائر الأساقفة الموارنة وباقي الكنائس وثانياً موجّهة إلى الكادرات الوطنية الصادقة غير المتأثرة بالنهج الإستئثاري القائم في البلاد، هناك عوامل تُساعد على تيسير العملية الإنتقالية وتسريع وتيرتها منها الحالات التي أكتفي بذكر بعضها: الحالة الأولى الوضع السياسي العام في البلاد، ثانيها التسيُّب الأمني، ثالثها الإنفلات القضائي، رابعها الحالات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، ووجود مؤسسات مصادرة من قبل مرجعية إقليمية ممثلة بمرجعية لبنانية داخلية تواليها عمداً تحتكر الدولة بكل مؤسساتها وهذا أمر يُخالف أبسط القواعد الدستورية. إنّ الحالة الراهنة وبكل مساوئها تنذر بفقدان الجمهورية لسيادتها المطلقة وتشي بإنهيار الدولة… من هنا الدعوة الصادقة لإتباع مرحلة إنتقالية تُسمّى مرحلة تعزيز الديمقراطية هدفها الإطمئنان على إمكانية إعادة الجمهورية إلى حضن الشرعية الدولية وتطبيق كل القرارات الدولية ذات الشأن للقضية اللبنانية.
نعم نحن مع كل إستحقاق دستوري ولكن شروط «النعم» يجب أن تكون متوفّرة، وعملياً وبالإستناد إلى الوقائع القائمة في البلاد نلاحظ وللأسف أنّ المجلس النيابي الحالي مُصادر وطبيعياً يمكننا القول أنه مجلس غير شرعي نظراً لمقاطعة فاقت الـ59% وهذه نسبة دقيقة وخطيرة تؤشر إلى أن الديمقراطية في خطر، وأنّ هناك خللاً في ممارسة النظام الديمقراطي البرلماني والخلل يكمن في القانون الذي إتّبع والذي من خلاله حصلتْ أكبر عملية تزوير في لبنان. هذا من الناحية الديمقراطية، أما من الناحية العملية عن أي إستحقاق نتكلّم وعن أي مرجعية سيأتي بها هذا البرلمان الفاقد للشرعية التمثيلية؟ سيكون الإستحقاق القادم مجرّد إمتداد للمراحل السابقة التي مرّت على لبنان والتي أساءت فعلياً إلى مقام الجمهورية اللبنانية، والتي بالطبع أصبحت سليبة الإرادة ومجيّرة سيادتها لمحور يجهد خلافاً للأصول الديمقراطية للسيطرة على مناطق في منطقة الشرق الأوسط لتقوية شروطه التفاوضية مع المجتمع الدولي. ألهكذا أستحقاق نتحضّر؟!!!
في العودة إلى تاريخ بعض الدول التي مرّت بظروف تمرّ بها جمهوريتنا ظهرت أشكال من الإنتقال السياسي مع إندلاع ثورات واكبت التطورات الكبرى عرفتها تلك الدول وهي تحولات تُجاوز البُعد السياسي إلى أبعاد فكرية وثقافية وسياسية كانت نتيجة منطقية لحركة تنوير وتحرر المجتمعات من إستبداد قائم . غبطة أبينا البطريرك وسائر السلطات الروحية، مسيحيين ومُسلمين، أيُّها المناضلون الشرفاء تعالوا لنبحث عن إمكانية طرح نظام إنتقالي بدل إستجرار الأزمات، ترف الوقت لم يعُد لصالحنا بالله عليكم إسمعوا نداءنا وتعالوا إلى مساحة حوارية تُنتج نظاماً إنتقالياً محدد الأهداف والصلاحيات والزمن…
* سفير الجمعية العالمية لحقوق الإنسان، المودّة