ناصر قنديل-البناء
– منذ سنوات وكلما يجري الحديث عن الجامعة العربية، يطرح السؤال حول عودة سورية الى الجامعة، ومع تحديد موعد انعقاد القمة العربية في الجزائر ازداد طرح السؤال إلحاحاً، خصوصاً مع الموقف الجزائري الذي لم يعُد خافياً على أحد، والذي يقوم على اعتبار حرمان سورية من مقعدها الشرعي في الجامعة عمليّة سطو غير مشروعة آن أوان تصحيحها، وتطلع الجزائر لتكون القمة التي تستضيفها هي إطار هذا التصحيح. وكلما اقترب موعد القمة صار السؤال أكثر إلحاحاً، هل ستحضر سورية قمة الجزائر؟ وان لم تحضر فمن يقف وراء تعطيل فرص حضورها أمام هذا العزم الجزائري على تحقيق أعلى إجماع عربيّ ممكن لصالح عودتها إلى الجامعة ومشاركتها في القمة؟
– يفوت الذين يطرحون السؤال، أن يسألوا سؤالاً آخر قبله، هو موقف سورية من دعواتها للعودة إلى الجامعة، حيث يؤكد كل من يعرف سورية وقيادتها، أن سورية بسبب موقفها المبدئي الداعم لكل عمل عربي مشترك، لا تستطيع أن ترفض أي دعوة تتلقاها للعودة للجامعة أو للمشاركة في أي قمة رئاسية أو وزارية، لكن سورية لا تخفي عدم حماسها لهذه العودة في الظروف الراهنة. فهذه العودة لن تقدم لسورية وللمواقف التي تمثلها أي إضافة، بل سيتم استغلال مشاركتها لتصوير وحدة مشوهة حول الموقف العربي المنسجم مع السياسات الأميركية في المنطقة، خصوصاً في الموقف من القضية الفلسطينية والصراع مع «إسرائيل»، ومفهوم الأمن القومي العربي، وتعريف معسكر الأعداء والأصدقاء، ولا تعتقد سورية أن موازين القوى التي تصنع الموقف العربي، رغم الانتصارات التي سجلتها قوى المقاومة، والتراجعات التي يعيشها المعسكر الأميركي، قد صحّحت بما يكفي للدرجة المطلوبة لتظهير مواقف عربية تتناسب مع التحديات التي تفرضها المتغيرات والمسؤوليات.
– الذين يعرفون حجم ومستوى العلاقة السورية الجزائرية، يعرفون أن قراءة سورية للأوضاع العربية تجعل الأولوية عندها وفق التحديات الراهنة، وما تتيحه موازين القوى التي تحكم الوضع العربي، هي لإنجاح الجزائر كرئيس للقمة العربية في فتح الباب للبحث في سياسات تستعيد الحيويّة للحضور العربي، وتعيد ترتيب الأولويات وتستعيد معها القضية الفلسطينية مكانتها المتقدمة، على الأقل في الخطاب العربي الرسمي الجامع الصادر عن القمّة، وأن وضع عودة سورية الى الجامعة كأولوية جزائرية سيؤدي إلى اعتبار ذلك أكثر ما يمكن للعرب تلبيته من تطلعات جزائرية من القمّة، وقطع الطريق على قدرة الجزائر على لعب الدور القيادي المطلوب في رسم السياسات، وهذا سيؤدي الى تقزيم حجم وأهميّة مكانة كل من سورية والجزائر، خصوصاً أن الذين يعرقلون عودة سورية الى الجامعة وحضورها القمة، لا يفعلون ذلك بدوافع الكيد فقط، بل هم أدوات لسياسات أميركية كانت تعبّر عن ذاتها ولا تزال ضد أي انفتاح لأي دولة عربية تريد تصحيح مسار علاقاتها مع سورية، والذين يعرقلون ليسوا اللاعبين الصغار الذين يقفون في الواجهة، ومواقفهم لا تقدم ولا تؤخر، بل دول عربية فاعلة ومؤثرة لم تنضج بعد قراءتها الى مستوى فهم المتغيرات وإدراك التحديات، ولا يهمهم الا استرضاء الأميركي وعدم إزعاج الاسرائيلي، وسورية لا تريد أية مواجهة تزيد تصدع الوضع العربي الذي يعيش أسوأ أيامه.
– الجزائريون متفائلون بالنجاح في المهمتين، دعوة سورية وعودتها من جهة، وتصويب البوصلة العربية وإعادة ترتيب أولويات البيت العربي من جهة أخرى، ويرون في التراجع الأميركي في المنطقة، الذي ظهر جلياً في قمة جدة مع الفشل الأميركي في توسيع نطاق التطبيع، وفرض دمج «إسرائيل» في النظام الإقليمي، علامة على إدراك بعض اللاعبين الفاعلين العرب للمتغيرات والتحديات، ويراهنون على أن يؤثر ذلك في نقل العدوى لأشقاء عرب لا زالوا يعيشون في زمن القوة الأميركية التي تقول للشيء كن فيكون، وتسعى الجزائر لجعل عودة سورية ودعوتها نقطة على جدول أعمال وزراء الخارجية العرب، وإذا تعذّر النجاح بالعودة والدعوة، نقل البند إلى أعمال القمة، باعتباره نقطة محورية في إعادة ترتيب أولويات البيت العربي وتصحيح البوصلة العربية.
– يلفت الانتباه من الدعوة الى عودة سورية الى الجامعة، ومن كل القضايا التي تتصل بسورية، كعودة النازحين من أبنائها إليها، موقف الأمين العام للجامعة، الذي يتطابق مع الموقف الأميركي والإسرائيلي، كما كان يعرف تطابقه مع الموقفين الأميركي والإسرائيلي من المقاومة الفلسطينية وتهديده يوماً بتكسير أقدام الفلسطينيين الذين يريدون العبور من غزة، ووفقاً للذين يتابعون مواقف الأمين العام فهو غامض المرجع الذي يرسم مواقفه، مع تعدد مراجعه المالية والسياسية، لكن دائماً تحت سقف الولاء الحاسم للسياسات الأميركية والإسرائيلية، لكنه لا يستطيع أن يجعل موقفه موقفاً للجامعة إلا بغطاء دولة فاعلة أو أكثر، والشروط التي يطرحها لعودة سورية، يعرف أن سورية لن تصغي اليها ولا تهتمّ بكلامه عنها، لأنها تعرف أنه ليس مصدرها.
– سورية تنظر لعودة الجامعة إلى عروبتها كعنوان لعودتها الى الجماعة، وما لم ينضج بعض العرب الفاعلين لتلقي نداء العروبة، فليس لدى سورية ما تفعله في الجامعة، والزمن الذي يحدث فيه التغيير اللازم لتحقيق العودتين، عودة الجامعة لعروبتها وعودة سورية للجامعة، لم يعد بعيداً.