ليسَت المرة الأولى التي يزور فيها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين بيروت، كما أنها ليست المرة الأولى التي يُعرِب فيها عن تفاؤله باقتراب الوصول إلى اتفاق خلال «أسابيع»، مُعلناً عن استعداده للعودة إلى لبنان. غيرَ أن ما أحاطَ بمحطته التي ختمها أمس، من رسالة المسيّرات الثلاث فوق «كاريش»، وصولاً إلى «فيديو الساعة 11» الذي بثّه الإعلام الحربي، نتج منه تقدمّ، اختصرته مصادر سياسية بارزة بـ «سحب الوسيط الأميركي كل كلامه السابق عن التعاون في الحقول المشتركة والتنقيب المشترك وتقاسم الحصص والأرباح عبر شركة واحدة تعمل على الحدود». أما كل ما تبقى، فوصفته المصادر بـ«الرمادي»، إذ أكد هوكشتين أنه «لم يحصل على موافقة إسرائيلية على المطلب اللبناني، لكنه سيسعى لذلك في الأسابيع المقبلة»، متسائلة: «لماذا أتى إذاً؟».
بعدَ اجتماع دامَ حوالي ساعة مع الرؤساء ميشال عون ونجيب ميقاتي ونبيه بري في بعبدا، قال الوسيط الأميركي إنه «متفائل جداً بالوصول إلى اتفاق، وسأعود إلى المنطقة قريباً من أجل ذلك». بعض ما تسرّب من الاجتماع، يُشير إلى أن «هوكشتين أبلغ لبنان مجدداً بالعرض الإسرائيلي حول ترسيم الحدود على أساس الخط 23 مع حصول لبنان على كامل حقل قانا، ولكن في المقابل العودة إلى الخطّ المتعرج في عمق البحر، أي أخذ مساحة من البلوك رقم 8»، علماً أن هذا الطرح «مرفوض لبنانياً». هذا الكلام بقي من دون تأكيد ولا نفي، بسبب تمنّي الرئيس عون على الحاضرين «عدم تسريب وقائع الاجتماع»، لكن الأكيد أن «لبنان الرسمي أبلغه بعدة مطالب»، وهي «العودة إلى الناقورة، الترسيم على أساس الخط 23 من دون أي تنازل عن أي من الحقول في كامل البلوكات، ورفض أي نوع من الشراكة التجارية أو في التنقيب».
وفيما تكتّم الحاضرون على الموقف من حقل قانا، ولم يُجِب أي منهم عمّا إذا كانَ الوسيط نقلَ إقراراً إسرائيلياً بكامل الحقل للبنان، قالت مصادر مطلعة إنه «لم يفعل، بل صرّح بأنه لم ينتزع موافقة إسرائيلية نهائية على الطرح اللبناني». وأضافت أنه «تمّ إبلاغ الوسيط أن الوقت يضيق»، واتفِق على أن يتمّ حسم الأمور خلال عشرة أيام أو أسبوعين على أبعد تقدير». وبعد الاجتماع، أرسل هوكشتين اثنين من أعضاء فريقه إلى السفارة الأميركية في بيروت لكتابة محضر الاجتماع وإرساله فوراً إلى كيان العدو.
وليلاً، أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن الوسيط الأميركي «سيصل الليلة من بيروت إلى إسرائيل وسيحمل معه رسائل ومقترحات لتحديد الحدود البحرية». وأشارت «القناة 14» العبرية إلى «ضغوط أميركية في المحادثات مع لبنان للتوصل إلى تسوية». وأضافت: «في لبنان راضون عن تقدم المحادثات بشأن ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين والتنازلات الاقتصادية من قبل إسرائيل». ونقلت قـنـاة «كـان» العبرية أن مجلس الوزراء السياسي والأمني (الكابينت) «سيناقش الاربعاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان».
وتقصّد المسؤولون في لبنان تسريب أجواء إيجابية، يقول العارفون إنها استندت إلى «ما قاله هوكشتين بأن بلاده وإسرائيل تريدان التوصل إلى حلّ واقعي ومنطقي يساعد لبنان على تجاوز أزمته ولا تريدان الحرب أو التصعيد». غيرَ أن الرمادية عدم حمله أجوبة حاسمة على المطلب اللبناني، ولّدت حذراً من أن يكون في ذلك مماطلة إضافية. إذ قالت المصادر إن «لو كانَ الجو إيجابياً فعلاً لسرّع وتيرة التفاوض وعاد إلى تل أبيب ومن ثم إلى لبنان خلال أيام، وليس أسابيع».
وقال أكثر من مصدر متابع إن «هذا الحذر مرده وصول أكثر من رواية نُقلِت عن الاجتماع، منها ما أكد أن هوكشتين تحدث عن مطالبة إسرائيلية بالحصول على البلوك 8 أو جزء منه، وأخرى نفت الأمر كلياً وكأن هناك مناورة ما». ومن ضمن الروايات التي كشفتها مصادر بارزة أن «إسرائيل تحاول ضمان ما تعتبره حقوقاً اقتصادية تعود إليها، تقع بالتحديد في البلوكات 4 و6 و7 و8 الإسرائيلية. وتوجد هذه البلوكات في محاذاة الخط 23 تماماً، ويعرضها العدو حالياً على دورة التراخيص الرابعة». وبحسب خبراء يُريد العدو الإسرائيلي جزءاً من البلوك رقم 8، لـ«تحرير بلوكاته» من أي تأثير جيولوجي لبناني مستقبلي محتمل، ولكونه يعتقد أن تلك البلوكات لها امتدادات في البلوك 8 اللبناني. من جهة أخرى، يستبق العدو أي استكشافات لبنانية في البلوك رقم 8 من خلال حجز حضور له، ويحاول منذ الآن الاستحصال على النسبة الأكبر من موقع البلوكات لاستخدامها لاحقاً في حال تم اكتشاف وجود تداخل بين البلوكات النفطية، وهو يدّعي أن له حقاً اقتصادياً في البلوك 8، لطبيعة اتصال تلك البلوكات مع أخرى موجودة في البلوك المذكور، كحالة جنوب كاريش وشمال كاريش بالنسبة إلى الخط 29.
وأضافت أن «لبنان طرح سلسلة أمور على هوكشتين، من بينها إصدار إعلان إسرائيلي رسمي بأن حقل قانا يعود للبنان بالكامل، فيما يبقي على المواد الخلافية الأخرى مطروحة للنقاش بها على طاولة المفاوضات غير المباشرة التي طالب لبنان بالعودة إليها خلال أسبوعين»، لكن هوكشتين «لم يبد موافقة على العودة إلى الناقورة إلا بعد إنجاز الاتفاق لتثبيته أو توقيعه، على أن يستكمل هو جولاته المكوكية». وأكدت المصادر أن «ما حصّله لبنان لم يكُن، لولا دخول المقاومة على الخط والتهديدات التي أطلقها نصرالله».
الوسيط الأميركي أنهى جولته بحديث إلى قناة «LBC» قائلاً إن «جلسة اليوم كانت مهمة وتمكنا من مقابلة الرؤساء الثلاثة، وهناك طرف آخر في هذا الأمر لذلك لم نكن جميعاً في الغرفة نفسها، وعلينا أن نناقش مع الطرف الآخر أيضاً». ولفت إلى أن «الأجواء خلال الأسابيع القليلة الماضية وعند كلا الطرفين تدل على استعداد لأخذ المفاوضات على محمل الجد لمعالجة القضايا مباشرة، وأتمنى أن نتمكن من تضييق الفجوات، وأعتقد أننا قمنا بتضييق الفجوات قبل أن نصل إلى هنا». وعن اتهام بري الولايات المتحدة بالتدخل في عمل شركة «توتال» وبلوك رقم 9، قال «أنا متأكد من أن شركة توتال وقيادتها يمكنها اتخاذ قرارات بشأن مكان الحفر من دون الولايات المتحدة». وعن التهديدات التي وجهها حزب الله أخيراً، قال إن «الولايات المتحدة كانت واضحة جداً بأن الطريقة الوحيدة للتوصل إلى حل لهذا النزاع الطويل الأمد من خلال طاولة المفاوضات».