يُمكِن، بكثير من راحة الضمير، القول إن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع لا ينفك عن البحث عن ذريعة لتفجير فتنة داخلية. مجزرة الطيونة، في 14 تشرين الأول 2021، كانت واحدة من محاولات «حكيم معراب» لإشعال الفتيل، وآخرها ما حصل في بلدة رميش الجنوبية قبل يومين.
بينَ الحدثيْن، يروي «أصدقاء» لمعراب «حادثة» ثالثة أثارت استغراباً في مناسبة اجتماعية أُقيمت في معراب، بعد الانتخابات النيابية، دُعيَ إليها عدد كبير من السياسيين وديبلوماسيون عرب وأجانب. يومها، فوجئ المدعوون بشكل الحضور الذي كان عليه عناصر الحماية الذين يتولون أمن قائد القوات. إذ حرص جعجع على ظهور هؤلاء بزي عسكري موحّد، لا بزيّ مدني كما في مرات سابقة. أدى ذلك إلى فتح نقاش في صالونات السفارات وبينَ السفراء وشخصيات لبنانية عن «الميليشيات التي يبنيها جعجع»، وعن توقعات بإمكانية افتعال «طيونة جديدة».
وفقَ ما تؤكد جهات عايشت جعجع عن قرب في فترات سابقة، فإن «المرحلة الجديدة في حسابات الرجل يجب أن تكون دموية لأن هذا هو الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى عقد تسويات». ويقول هؤلاء إن هذه الحسابات «تستند إلى أسس سياسية تتمثّل أولاً بالدعم السعودي المطلق له بعدَ سحب الرئيس سعد الحريري من الواجهة السياسية. وإلى تطوّعه، في نظر أصحاب مشروع مواجهة حزب الله، لمحاولة إثبات قدرته على أن يكون بدلاً من ضائع عن كل الذين رفضوا الانضواء في هذا المشروع، وفي مقدمتهم الحريري، لذلك كانت حادثة الطيونة». ورغم أن إعادة الحسابات السياسية في مراكز قرار الراعي السعودي، بعد الانتخابات، أكدت أن جعجع بالغ في تقييم قوته وقدراته، ما أدى إلى استدعاء السفير السعودي في بيروت وليد البخاري و«توبيخه» على المغالاة في دعم قائد القوات، إلا أن الأخير «يُصرّ على الكسب عن طريق إحياء المتاريس الطائفية، ولذلك كانت حادثة رميش».
ما يرويه العارفون عن الإشكال الذي حصل عصر الجمعة بين «حطّابين» في منطقة قطمون القريبة من الحدود مع الأراضي الفلسطينية، وبين عناصر من جمعية «أخضر بلا حدود» الناشطة بيئياً على طول الشريط الحدودي يؤكّد أنه ليسَ عفوياً. صحيح أن بعض الأهالي من المنطقة ادعوا بأن «أشخاصاً من آل عبدوش، كانوا يقومون بقطع الأشجار من عقارات خاصة، وأن عناصر من جمعية أخضر بلا حدود صادروا كميات الحطب، وأن أقارب الحطابين حاولوا استرداد الحطب المصادر، فوقع إشكال وتلاسن بين الجانبين، ولجأ عناصر من حزب الله إلى إطلاق النار في الهواء لإبعادهم»، إلا أن ما حصل، عملياً، هو محاولة تكبير المشكل لوضع حزب الله في مواجهة «الحطّابين» الذين، «بالصدفة»، اختاروا قطع الأشجار على مقربة من نقاط أمنية للمقاومة، وعندما طلب منهم عناصر المقاومة التراجع، بدأوا بزّج أهالي رميش في الإشكال لتضخيمه وتقديم الأمر وكأن حزب الله يحاصرهم ويمنعهم من التحرك بحرّية في بلدتهم، في إطار الحملات المتتالية التي تحاول تصوير المقاومة عدواً للمسيحيين وتأليب الرأي العام المسيحي ضدها.
في التقييم، ومع افتراض حسن النية، وفق جهات سياسية، ربما لا يكون قائد «القوات» هو من أرسل شباناً إلى تلكَ النقطة أو أعطى أمراً مباشراً بذلك. لكنه، في كل الأحوال، لم يتردّد في استخدام الأمر سياسياً وأهلياً كي تؤمّن له صورة القادر على جرّ الحزب إلى اقتتال داخلي.
مع ذلك، لم ينجَح «الحكيم» في إشعال غضبة شعبية، ولا في أن يترك صدى إيجابياً في صالونات السفراء، الذين «يستبعدون قدرته على الوقوف في وجه حزب الله بالحجم الذي يروّج له هو»، باستثناء «السفير السعودي الذي لا يزال يحتويه ويدافع عنه، لكن ليس بالقدر السابق نفسه»، كما تؤكد مصادر قريبة من السعوديين.