«جدية يجب التوقف عندها». هذا ما لخّصه مسؤول بارز اطلع على جولة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين أمس، والتي اختتمت ليلاً بتلبيته دعوة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى عشاء حرص الأخير على أن يحضره نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب بصفته ممثلاً للرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بصفته ممثلاً لثنائي أمل وحزب الله. وقد نوقش ملف الترسيم خلال اللقاء، وطلب هوكشتين أن يكون اجتماعه غداً في قصر بعبدا مع الرؤساء الثلاثة معاً. وفي هذا الإطار جاءت دعوة الرئيس ميشال عون الرئيسين نبيه بري وميقاتي، ليلاً، إلى لقاء في قصر بعبدا بعد احتفال عيد الجيش، على أن يعقدوا لقاء تشاورياً قبل وصول الوسيط الذي سيعرض الاقتراح الجديد الذي يحمله من إسرائيل.
وعشية الاجتماع، كانت الأجواء مليئة بالعناصر الجديدة، وأبرزها شريط فيديو وزعه الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية تضمن معلومات وصوراً من كاميرا حرارية متطورة لموقع «كاريش» والسفن العاملة حوله بالإضافة إلى معلومات عن السفن نفسها وعن إحداثيات تموضعها بالقرب من الحقل، مع تمرير صور لجزء من أسلحة صواريخ بر – بحر التي سبق للمقاومة أن كشفت عن حيازتها لها. وقد أثار الشريط حفيظة الجانب الإسرائيلي وأشعر هوكشتين بالقلق، فدعا إلى عدم القيام بخطوات تهدد المفاوضات التي تبقى السبيل الوحيد للوصول إلى اتفاق.
وإلى التسريبات المحدودة عن عرض إسرائيلي يقوم على فكرة التنازل للبنان عن كامل حقل قانا، لكن ضمن إطار اتفاق لا ينعكس سلباً على الحملة الانتخابية لفريق الحكومة الحالية في إسرائيل، فإن الوسيط الأميركي بعث إلى لبنان برسائل عبر دول أوروبية قبل وصوله، داعياً المسؤولين اللبنانيين إلى «التصرف بمسؤولية»، وأنه لن يعود مجدداً إذا لم يكن هناك ما يشير إلى استعداد لبنان لاتفاق قبل أيلول المقبل. فيما سمع الأوروبيون والأميركيون كلاماً أكثر وضوحاً حول جدية المقاومة في خيار الذهاب إلى حرب ما لم يتم تحقيق مطالب لبنان، مع الإشارة إلى أن فرنسا أبلغت حزب الله والتيار الوطني الحر والرؤساء الثلاثة بأن شركة «توتال» ستكون جاهزة لبدء العمل عند توقيع الاتفاق، وأنها تفاهمت على ذلك مع الجانب الأميركي.
وكان هوكشتين زار لدى وصوله إلى بيروت اللواء إبراهيم ثم وزير الطاقة وليد فياض فقائد الجيش العماد جوزيف عون قبل أن يلبي مساء دعوة ميقاتي إلى العشاء في السراي الحكومي.
وفيما كررت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الاقتراح الجديد يشتمل على فكرة «تقاسم الأرباح في الحقول المشتركة بعد الاتفاق على شركة تنقيب واحدة»، كان لافتاً نفي هوكشتين الأمر أمام من زارهم في بيروت، وقال: «أحمل معي مقترحاً مختلفاً عن السابق، وآمل بأن يفتح الباب أمام مفاوضات تقود إلى حل قبل نهاية الصيف». وأضاف: «ليس لدينا، نحن أو الإسرائيليين، أي طرح بالمشاركة في أعمال التنقيب أو الاستخراج أو حتى صندوق استثمار مشترك. المقترحات لا تربط البلدين بأي عمل تقني أو مالي من الاستخراج. وليس هناك أي مقترح من قبلنا أو من قبل إسرائيل بتقاسم أي حقل».
من جهته، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته العاشورائية أمس أنّ «قيادة حزب الله تناقشت بعد حضور منصة الاستخراج إلى شواطئ فلسطين المحتلة، درسنا الخيارات، ووضعنا أنفسنا أمام خيارين: إما بحل الأمور بإيجابية لصالح لبنان وإما الذهاب إلى حرب». وأضاف: «كل نيتنا أن نساعد الناس ونعطي الدولة عنصر قوة بالتفاوض. وغداً الصباح رباح. لكننا لسنا جانباً بالتفاوض ولم نكلف أحداً وليست مسؤوليتنا بل مسؤولية الدولة بقيادة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ولن نتدخل على الإطلاق بقرار الدولة، بل نحن عنصر قوة لموقف الدولة».
وفي إسرائيل، أجّل المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر مناقشة ملف ترسيم الحدود إلى ما بعد انتهاء زيارة الوسيط الأميركي إلى لبنان. لكن الأمر جرى نقاشه على مستوى رفيع، وقالت وسائل إعلام العدو نقلاً عن مسؤولين رسميين إن الأمر طرح «خلال الحديث الذي جرى أمس بين وزير الأمن غانتس مع وزير الخارجية الأميركي بلينكن».
لكن الوفد الإسرائيلي المعني بالملف، عقد اجتماعاً عبر تطبيق «زوم» مع هوكشتين وأسمعه ثلاثة عناوين:
الأول، أن الطلبات اللبنانية غير واقعية وغير قابلة للشروع في مفاوضات من أجل اتفاق، وأن إسرائيل جاهزة للعودة إلى مفاوضات الناقورة.
الثاني، أن لدى إسرائيل اقتراحاً جديداً يسمح للبنان باستخراج الغاز والحصول على حقوقه من دون المس بالحقوق الإسرائيلية، وأن على هوكشتين إبلاغ اللبنانيين بأن العرض هو فرصة كبيرة لنقل لبنان من وضع الدولة المنهارة إلى وضع الدولة القادرة على إنتاج الغاز وتحسين أمورها، ولدى لبنان فرصة إذا قبل بالمقترح وعدم ترك الأمور لحزب الله.
الثالث، نقل رسالة تهديد من مسؤولين في المؤسستين الأمنية والعسكرية في إسرائيل بضرورة أن يبادر المسؤولون في لبنان إلى إقناع حزب الله بكبح جماح نفسه، وأن إسرائيل ستتصرف بطريقة مختلفة في حال حصل خرق جديد، والجيش سيرد على الخرق ولن يكتفي فقط باعتراض الطائرات المسيرة.
وبحسب تقارير إسرائيلية تضمنت آراء لخبراء ومسؤولين سابقين في الجيش والأمن، فإن إسرائيل «معنية بالوصول إلى حل سريع، ولكن في إسرائيل من يشك في أن حزب الله سيسمح للحكومة اللبنانية بالعودة إلى مفاوضات الناقورة». وأشارت التقارير إلى أن في إسرائيل مسؤولين يقولون إن «هناك خطوطاً حمراً مثل عدم السماح بالحديث عن المنطقة خارج منطقة الخلاف. ولكن هناك أموراً صغيرة يمكن لإسرائيل أن تعطيها للبنان، فإسرائيل لديها مصلحة كبيرة جداً في إنهاء الصفقة، وهي تفضل أن ينتج لبنان الغاز بنفسه لأنه حينها سيكون أقل ارتباطاً بإيران من ناحية الغاز أو سوق الطاقة. وفي حال لم ينجز ذلك ربما سنرى انفجاراً إقليمياً متجدداً».
وفي السياق نفسه، أوردت القناة 14 العبرية ليل أمس أن «الوفد الأميركي في بيروت متفائل جداً وقد وصف المقترح الإسرائيلي بالإيجابي». ونقلت عن مصادر في تل أبيب أنه «في حال فشل الأميركيون بالتوصل إلى اتفاق قبل أيلول المقبل، فإن إسرائيل ستلجأ إلى تقييم للوضع الأمني وسيصار إلى رفع مستوى التأهب في المنطقة الشمالية».