بغداد | أقام أنصار «التيار الصدري» جدراناً اسمنتيّة على أبواب مجلس النواب العراقي، وأغلقوا ثلاثة منها، وتركوا واحداً فقط استعداداً لما يبدو أنه اعتصام طويل في داخل المجلس لفرْض ما لم يستطع مقتدى الصدر فرضه من خلال المفاوضات الحكومية السابقة لخروجه من العملية السياسية واستقالة نوابه من البرلمان. هكذا، تعطّلت الحياة السياسية بكاملها، لتبقى الكلمة للشارع الذي ستجرى المفاوضات هذه المرّة على وقع النزال فيه بين التيار وقوى «الإطار التنسيقي»، التي دعت مساء أمس إلى التظاهر اليوم عند «المنطقة الخضراء»، احتجاجاً على ما عدّته محاولة «انقلاب على الشعب والدولة والعملية السياسية والانتخابات».
وما زاد الوضع تعقيداً، هو الغياب التامّ لقوات الأمن العراقية التي تأتمر بأوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، ما أثار اتهامات للأخير بأنه يريد، من خلال السماح لأنصار مقتدى الصدر باحتلال البرلمان، الاستفادة من تعطيل الحياة البرلمانية للبقاء مدّة أطول في الحُكم، وإبقاء حظوظه في تشكيل الحكومة المقبلة قائمة، باعتبار أن نجاح قوى «التنسيقي» في تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع المكوّنات الأخرى، يضع حدّاً لحياته السياسية. كما أثار شبهات بأن الأميركيين، الذين يملكون نفوذاً داخل تلك القوات، وحلفاءهم الخليجيين، يسعون إلى تأجيج نار الفتنة بين الشيعة في وجه طهران، وخاصّة أن التحريض على هذا الاقتتال، وتعبيرات الشماتة، ملأت وسائل التواصل الاجتماعي في كلٍّ من السعودية والإمارات، في حملةٍ بدت منسّقة ومدفوعة من سلطات هذين البلدين. وواكبت الصحافة السعودية هذه الحملة باستعجال الحديث عن صراع شيعي – شيعي.

الخلاف بين الفصائل الشيعية المختلفة في العراق، ليس جديداً، وهو لا ينحصر بالخلاف بين «التيار الصدري» وقوى «الإطار التنسيقي»، وإنّما توجد خلافات حتى داخل الإطار نفسه، كما يمكن تسجيل تباينات داخل التيار نفسه على طريقة معالجة الأزمة، وإن كان لا صوت يعلو فوق صوت مقتدى. وثمّة قوى شيعية في الوسط بين الجانبين، تسعى حالياً للتوصّل إلى حلٍّ سياسي للأزمة، لا يبدو مستحيلاً – على رغم تعاظم مخاطر الدخول في اقتتال دامٍ -، خاصّةً أنّ أيّاً من القوى المعنيّة لا يريد الذهاب إلى الاقتتال، ومن بينها «التيار الصدري». لكن المواقف لا تزال إلى الآن متصلّبة، ومن بينها اعتبار الصدر، في تغريدة أطلقها مساء أمس، أن «الثورة العفوية التي حرّرت المنطقة الخضراء كمرحلة أولى، لهي فرصة ذهبية لكلّ مَن اكتوى بنار الظلم والإرهاب والفساد والاحتلال والتبعية»، وأنه «إذا تمّ تفويت هذه الفرصة، فليس لي إلّا الدعاء والبكاء على نهاية العراق التي باتت قريبة».

أما في شأن احتمالات التوصّل إلى حلٍّ للأزمة من خلال الجهود السياسية الجارية، فيَعتقد القيادي في «ائتلاف النصر» الذي يتزعّمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، أحمد الوندي، أن «الأمور ما زالت تحت السيطرة إلى الآن»، موضحاً، في حديث إلى «الأخبار»: «(إنّنا) نعوّل على حكمة القادة في التواصل والحوار لرأب الصدع الموجود بين الفرقاء». ويرى أن «التظاهرات، بطبيعتها، هي حقّ سلمي كفله الدستور العراقي، وهي ممارسة ديموقراطية، شريطة أن لا تخرج عن إطارها الدستوري والقانوني. واليوم، العملية السياسية العراقية تمرّ بمنعطف خطير يحتاج إلى إرادة سياسية جامعة لإنقاذ البلد من المآلات المجهولة. الجميع يدرك مدى خطورة الانقسام، وخاصة بين أطراف المكون الاجتماعي الأكبر». إلّا أن الوندي يطالب «القوات الأمنية بحماية مقارّ الأحزاب والمؤسسات، فهي نافذة ما بين الطبقة السياسية والعامة كافة. ولهذا، يتطلّب الأمر جهداً أكبر للحفاظ عليها».
وعن الموقف من تحرّك «التيار الصدري»، يشير إلى أن «التيار جزء مهمّ من العملية السياسية، سواء كان داخل المؤسسة التشريعية أو خارجها. والمطلوب من الجميع أن يتحلّوا بروح الإيثار وأن يتّفقوا على ماهيّة المرحلة المقبلة، لأن البلد لا يتحمّل منزلقات خطيرة. وننتظر مخرجات الفريق التفاوضي الذي شكّله الإطار التنسيقي لغرض تشكيل الحكومة المقبلة، مع باقي الفرقاء السياسيّين، مع التأكيد على عدم المضيّ بأيّ معادلة حكم إقصائية، وأن تكون الرؤية القادمة إنقاذية للبلد». ويسجّل الوندي أن «السيد الصدر لديه وجهة نظر في ما يخصّ تشكيل الحكومة والوضع السياسي الحالي، وهذا يتطلّب حكمة أبوية من الجميع لمناقشتها والاستفادة منها في تشكيل الحكومة المقبلة، وأكد عليها هو من خلال خطابه في صلاة الجمعة الأخيرة، والتي تشترك بشكل كبير مع المبتنيات السياسية لكثير من قوى الإطار التنسيقي، ومن ضمنها ائتلاف النصر وتحالف قوى الدولة الوطنية».

من جهته، يرى الباحث السياسي، عمر ناصر، القريب من «تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، أن «الخلاف الشيعي – الشيعي وصل إلى مرحلة حرجة، وينبغي للقائمين على المطبخ السياسي، والحكماء من كتل سياسية وأحزاب، وأد أيّ محاولات لضرب أبناء الوطن، لأن هنالك أطرافاً خارجية تسعى إلى اقتتال داخلي منذ أن انتهت الانتخابات»، مضيفاً، لـ«الأخبار»، إن «تيار الحكمة لم ينتق هذا العنوان اعتباطاً، لأنه يتمتّع بالحكمة وضبط النفس، والدليل على ذلك تغريدة السيد عمار الحكيم الأخيرة التي امتصّ بها غضب الكثير من جماهيره وجماهير الآخرين».
في المقابل، يرى القيادي في «ائتلاف دولة القانون»، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، زهير الجلبي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «التظاهرات هي استمرار لعملية انقلاب بدأت بتزوير الانتخابات وبعدها جلسة الأكفان. وعندما عجزوا عن تشكيل الحكومة، انسحب التيار لتنفيذ الخطّة الأخرى بالتعاون مع شركائه في تحالف السيادة والحزب الديموقراطي الكردستاني. الموضوع أكبر من الفتنة، وهو إنهاء العملية السياسية وسحب السلطة من الشيعة. لا نوري ولا مقتدى. أمّا موقف دولة القانون فهو محاولة احتواء الأزمة مع شركائه في الإطار التنسيقي بالطرق السلمية. وبنظري لم يفلحوا لأنه انقلاب وليس خلافاً».