لا يمكن فصل التحركات الإقليمية التي يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، على أبواب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المزمع إجراؤه منتصف العام القادم في حزيران/ يونيو. حيث وصل التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 24 عاماً. فيما وصل العجز التجاري إلى 184.3% على أساس سنوي في حزيران/ يونيو الماضي، بعدما انخفض صافي احتياطات البنك المركزي بالعملة الصعبة لأدنى مستوياته في 20 عاماً حيث وصل إلى 7 مليارات دولار.
طيف أزمة 2001 يلوح بالأفق؟
مرت الليرة التركية بأزمات عدة أوصلتها لمستويات متدنية جداً. نتيجة السياسية النقدية والمالية الخاطئة التي كانت تُعالج بتغيير وإقالة وابعاد موظفين ومحافظين في البنك المركزي ووزارة المالية لا بتغيير السياسات.
كان للبنك المركزي العديد من التحركات والسعي لتخفيض أسعار الفائدة في وقت يجب ان يقوم بتشديدها لمحاربة التضخم الذي ارتفع لأعلى مستوياته في 24 عاماً إذ وصل إلى 78% تقريباً. اما عن أسباب التضخم، فهي نتيجة حزمة من الإجراءات والتداعيات: سياسات التسيير النقدي المستمرة، وانخفاض قيمة العملة وبالتالي انخفاض قيمتها الشرائية مقابل السلع المستوردة من الخارج، والذي انعكس بدوره على أسعار السلع التي ارتفعت بشكل جنوني نتيجة مشاكل في سلاسل الامداد.
في العام نفسه، قامت الحكومة بتحويل 50% من الودائع بالليرة التركية إلى ودائع بالعملات الأجنبية. رافقه فشل في خفض عجز الميزانية إلى 14% مما أدى إلى هروب رؤوس الأموال وانهيار سعر الصرف.
نتيجة تفاقم الأزمة اضطرت الدولة التركية لبيع احتياطات النقد الأجنبي والتي كانت تبلغ عام 1993 إلى 6.3 مليار دولار، حتى وصلت إلى 3 مليار دولار بنهاية آذار/ مارس عام 1994، أي خلال أشهر.
خلال نيسان/ ابريل 1994، اعتمدت الحكومة برنامج تقشف أدى الى انخفاض الليرة إلى مستويات قياسية وصلت إلى 76%.
عام 2001، أعادت الحكومة النظر بسياساتها المالية وقامت بشطب 6 أصفار في محاولة لتقليل التضخم على عملية ورقية وتم تعويم الليرة التركية وبالتالي انخفاضها أمام الدولار في أول يوم تداول لها حيث سجلت هبوطاً وصل إلى 69.8% وبقيت حتى العام 2005 في تدهور مستمر.
ما بين عامي 2005 و2009 تم بيع أصول الدولة بقيمة 30 مليار دولار.
عام 2018 عادت أزمة سداد الديون والتي بلغت تقريباً 179 مليار دولار إضافة لهبوط الليرة التركية بمستوى 40%.
تساوي سعر اليورو والدولار يجعل الأمور أكثر صعوبة
تعد مسألة تغطية فواتير الطاقة مسألة خطيرة لاحتياطي النقد الأجنبي التركي، بخاصة في ظل “أزمة العملة” التي حدثت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حين بدأت شركة أنابيب النفط والغاز الطبيعي التركية شراء العملة الأجنبية من السوق الحرة، واقترضت 929 مليون دولار من بنك “دويتشه” لشراء الغاز الطبيعي المسال من الخارج.
في ذلك الوقت، بدأ البنك المركزي التركي ضخ من 3 إلى 4 مليارات دولار شهريا في السوق حتى تبقى أسعار الصرف تحت السيطرة. تجاوزت تركيا أزمة الشتاء، وتبشّر الأخبار بمسار مختلف تمامًا، إذ ستُستخدم القروض لشراء الغاز الطبيعي المسال من الموردين في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وسنغافورة والمملكة المتحدة، وتم توضيح الغرض من التمويل على أنه تقليل لاعتماد تركيا على الغاز الطبيعي الروسي.
وفي مقال نشرته صحيفة “استقلال” التركية، يتابع ليفينت إيشيك، ان البلاد ستواجه مزيجًا من الأزمات التي سيشعر الناس بأنها أكثر خطورة بعد أيلول/ سبتمبر. وتتداول بعض منشورات وسائل التواصل الاجتماعي مزاعم بأن احتياطيات الذهب ستُستخدم وأنه يمكن الاسترخاء قليلًا بهذه الطريقة، لكن ليس من الحكمة اتخاذ هذه الخطوة في وقت يجمع فيه العالم كله الذهب في مواجهة احتمال حدوث كساد اقتصادي كبير. وحتى لو استخدمت تركيا احتياطي الذهب، الذي يبلغ نحو 688 ألف طن، فلن يكون كافيا لتوفير 38 مليار دولار لسد احتياجات البلاد.
وبينما تحطم الصادرات رقمًا قياسيًّا، فإن الواردات وصلت إلى أرقام قياسية تسببت في زيادة العجز التجاري، كما أن 80% من الواردات تتعلق بالمواد الخام والسلع الوسيطة، وهذا يعني أنه من المستحيل أن تستمر الصادرات بمجرد توقف الواردات، وهناك حاجة إلى احتياطي عملات أجنبية ضخم لاستمرار الواردات.
وأضاف إيشيك أن تساوي سعر صرف اليورو والدولار يجعل الأمور صعبة أكثر من أي وقت مضى، لأن صادرات تركيا باليورو في حين أن الواردات بالدولار الأميركي، وهذا يعني أن عملة الصادرات تفقد قوتها أمام الدولار (عملة الواردات)، والتضخم وأزمة العملة وأزمة الطاقة كلها عوامل تخلق ضغطًا على اقتصادنا، وكذلك مشاكل الهجرة، وهذا ما يزيد من تفاقم الأزمة بشكل عام.
الكاتب: الخنادق