“نوعان من الفيروسات”.. دراستان حديثتان تتحدثان عن مصدر كورونا
ومراجعة الأقران هي عملية تقييم دراسة أو نشاط يقوم بها باحثون أصحاب اختصاص وكفاءة من أجل التأكد من جودة ودقة الدراسات التي أجراها باحثون آخرون.
وفي إحدى الدراستين، استخدم علماء من جميع أنحاء العالم أدوات رسم الخرائط وتقارير وسائل التواصل الاجتماعي لإجراء تحليل مكاني وبيئي، قائلين إنه على الرغم من أن “الظروف الدقيقة تظل غامضة”، فمن المحتمل أن يكون الفيروس موجودًا في الحيوانات الحية التي جرى بيعها في السوق في أواخر عام 2019.
وقد تم احتجاز الحيوانات الحية والمذبوحة حديثا بالقرب من بعضها البعض وبالتالي كان من الممكن بسهولة بمكان انتقال وتبادل الفيروسات فيما بينها الجراثيم، بيد أن تلك لم تحدد الدراسة إذا كانت تلك الحيوانات مريضة.
وقرر الباحثون أن أولى حالات الإصابة بمرض كوفيد-19 كانت متمركزة في السوق بين البائعين الذين باعوا هذه الحيوانات الحية أو الأشخاص الذين يتسوقون هناك، موضحين أنهم يعتقدون أن هناك نوعين من الفيروسات المنفصلة المنتشرة في الحيوانات والتي انتقلت إلى البشر.
وأفادت الدراسة: “كانت جميع الحالات الثمانية التي أصيبت بمرض كوفيد-19 قد جرى اكتشافها قبل 20 كانون الأول في الجانب الغربي من السوق، حيث تم أيضًا بيع بعض الحيوانات والذبائح من الثدييات”.
وقال الأستاذ في قسم علم المناعة والأحياء الدقيقة في معهد سكريبس للأبحاث، كريستيان أندرسن، والمشارك في الدراسة، يوم الثلاثاء: “إن أماكن وقوع الإصابات في السوق كانت محددة بدقة للغاية”.
وأوضح الباحث المشارك في الدراسة مايكل ووربي، والذي يرأس قسم علم البيئة وعلم الأحياء التطوري في جامعة أريزونا أن النمط “غير العادي” الذي ظهر من رسم خرائط هذه الحالات كان واضحًا للغاية.
وأشار ووربي إلى أن الباحثين وضعوا خرائط للحالات المبكرة التي لا علاقة لها بالسوق، وكان هؤلاء الأشخاص يعيشون أو يعملون بالقرب من السوق.
واعتبر ووروبي أن ذلك “مؤشر على أن الفيروس بدأ ينتشر بين الأشخاص الذين عملوا في السوق، لكنه بدأ بعد ذلك في انتشار في المجتمع المحلي المحيط حيث ذهب الباعة إلى المتاجر المحلية، وأصابوا الأشخاص الذين يعملون في تلك المتاجر”.
منهج آخر.. ونتائج مشابهة
أما الدراسة الأخرى فتتخذ نهجًا آخر يهدف إلى تحديد متى انتقلت العدوى الأولى بفيروس كورونا المستجد من الحيوانات إلى البشر.
ويُظهر هذا البحث أن النسخة الأولى من الفيروس التاجي جاءت على الأرجح بأشكال مختلفة يسميها العلماء A و B، إذ كانت السلالات نتيجة حدثين على الأقل ينتقلان عبر الأنواع إلى البشر.
ويعتقد الباحثون أن أول انتقال من حيوان إلى إنسان ربما حدث في 18 نوفمبر 2019 تقريبًا، وقد جاء من النوع B والذي وجد فقط في الأشخاص الذين لديهم صلة مباشرة بسوق هوانان.
ويظن الباحثون أيضا أن السلالة A قد جرى إدخالها إلى البشر من حيوان في غضون أسابيع أو حتى أيام من الإصابة من بالنوع B، إذ تم العثور على A في عينات من البشر الذين عاشوا أو بقوا بالقرب من السوق.
وفي هذا الصدد قال الباحث المشارك في الدراسة، جويل ويرثيم، وهو أستاذ مساعد مساعد في الطب بجامعة كاليفورنيا “تشير هذه النتائج إلى أنه من غير المحتمل أن يكون فيروس كورونا المستجد قد انتشر على نطاق واسع في البشر قبل تشرين الثاني 2019”.
وتابع: “وبالتالي فإن ذلك يساعد على تحديد الفجوة الضيقة بين وقت انتقال ذلك الفيروس التاجي لأول مرة إلى البشر والوقت الذي تم فيه الإبلاغ عن الحالات الأولى للإصابة بمرض كوفيد-19”.
ولفت إلى أنه “كما هو الحال مع الفيروسات التاجية الأخرى، فمن المحتمل أن يكون ظهور فيروس كورونا المستجد قد نتج عن مستويات حيوانية متعددة”، معترفا بأن احتمالية ظهور مثل هذا الفيروس من حدثين مختلفين منخفضة.
وأردف ويرثيم “الآن، أدرك أن الأمر يبدو كما لو قلت للتو أن حدثًا يحدث مرة واحدة في كل جيل مرتين متتاليتين قصيرتين، وأن الأوبئة نادرة بالفعل، ولكن بمجرد تهيئة جميع الظروف فإن كورونا قد يكون هذا فيروسًا حيوانيًا قادرًا على نقل العدوى إلى البشر وبين البشر”.
من جهته، يرى أندرسن إن الدراستين لا ينفيان نظرية تسرب الفيروس من مختبر ووهان، مضيفة: “لكن تلك الدراسات مقنعة جدا لدرجة أنه غيرت رأيي بشأن أصول الفيروس”، في إشارة إلى أن يكون سوق الحيوانات هو سبب انتشار الفيروس وليس مختبر ووهان للفيروسات.
وتابع: “كنت مقتنعًا تمامًا بأن نظرية التسرب من المختبر غير واقعية، حتى تعمقنا في هذا الأمر بعناية شديدة ونظرنا إليه عن كثب واستنادًا إلى البيانات والتحليلات التي أجريتها خلال العقد الماضي على العديد من الفيروسات الأخرى، أقنعت نفسي بأن البيانات تشير في الواقع إلى المسألة بدأت من ذلك السوق بالذات”.
ويتفق ووربي مع أندرسن إذ إنه يعتقد أيضًا أن نظرية التسرب من المختبر ممكنة، موضحا:” لكن الغلبة الوبائية للحالات المرتبطة بالسوق ليست سرابًا بل أمر حقيقي، فليس من المعقول أن يتم إدخال هذا الفيروس بأي طريقة أخرى غير تجارة الحياة البرية”.
ولتقليل فرص حدوث أوبئة في المستقبل، يأمل الباحثون في أن يتمكنوا من تحديد الحيوان الذي ربما أصيب أولاً والكيفية التي أصيب بها، وفي هذا الصدد يرى ويرثيم أن “المكونات الخام لفيروس حيواني المنشأ مع إمكانية حدوث جائحة ما زالت كامنة في البرية”، معربا عن اعتقاده أن العالم بحاجة إلى القيام بعمل أفضل بكثير في مجال مراقبة الحيوانات ورصد التهديدات المحتملة الأخرى لصحة الإنسان.
من جانبه، أكد أندرسن رغم “أننا لا نستطيع منع تفشي المرض، فإن التعاون بين علماء العالم يمكن أن يكون مفتاحًا لإحداث الفرق والعمل على اكتشاف أي تفش بشكل مبكر حتى لا يصبح وباء. (الحرة)