وتُظهر الأرقام التي نشرتها وكالة الحدود الأوروبية، فرونتكس، أن “الدخول غير المنتظم” ارتفع إلى 114,720 في النصف الأول من عام 2022، بزيادة 84 بالمئة عن العام الماضي. وقد يكون العديد من المهاجرين الآخرين قد أفلتوا من الكشف. وارتفع عدد الذين يحاولون الدخول عبر غرب البلقان بنحو 200 بالمئة، فيما يتوقع أن يعبر حوالي 60 ألف شخص القناة في قوارب هذا العام، أي ضعف العدد الإجمالي لعام 2021.
واللافت للنظر أن هذه الأرقام لا تشمل ملايين الأوكرانيين الذين طلبوا اللجوء في الاتحاد الأوروبي منذ شباط. ويأتي معظم اللاجئين والمهاجرين لأسباب اقتصادية من غير الأوكرانيين المصنفين على أنهم غير نظاميين من سوريا وأفغانستان والعراق وتركيا وبيلاروسيا وبنغلادش ومصر وأفريقيا جنوب الصحراء.
هذا مهم لفهم ما يقود الطفرة الجديدة، إذ انعكس تخلي الغرب عن أفغانستان العام الماضي بوضوح في زيادة أعداد اللاجئين. ومع استمرار الفتنة في سوريا، بما في ذلك إدلب والتهديد بمزيد من التوغلات العسكرية التركية عبر الحدود في المناطق الكردية ونزاعات مختلفة في الشرق الأوسط وأفريقيا، بالإضافة إلى تركة حرب العراق، فإن كل ذلك لا يزال تؤجج عدم الاستقرار.
وتشكل التأثيرات البشرية التراكمية لحالة الطوارئ المناخية أيضا الصورة العامة للهجرة. لكن في الوقت الحالي، يمثل التهديد الذي تتعرض له الإمدادات الغذائية بسبب حصار فلاديمير بوتين على البحر الأسود، وما نتج عنه من نقص وتضخم في الأسعار وعدم استقرار، هذا هو العامل الجديد الكبير.
بالنسبة لبوتين، فإن الهجرة، مثل الطاقة والغذاء، هي سلاح حرب يستهدف قلب أوروبا.
حل وسط هش، تم الكشف عنه في إسطنبول الجمعة الماضي ويهدف إلى إنشاء طرق بحرية آمنة للحبوب من أوديسا وميناءين أوكرانيين آخرين، قد يخفف في نهاية المطاف الضغط على البلدان النامية المعتمدة على الاستيراد. ومع ذلك، فإنه حتى في حالة استمرار الاتفاق، فسيستغرق استئناف التجارة وقتا، ولا يمكن للصادرات أن تصل إلى مستويات ما قبل الحرب بينما يستمر الصراع.
ويتذكر المسؤولون الأوكرانيون تأكيدات بوتين المتكررة في الشتاء الماضي أنه لن يغزو بلادهم، فإن المسؤولين الأوكرانيين لا يثقون به في الوفاء بوعده الآن – خاصة إذا تحول القتال على الأرض جنوبا. الولايات المتحدة متشككة أيضا. وقالت وزارة
بغض النظر عن ما إذا تم رفع الحصار، فإن من المتوقع أن تستمر الهجرة غير المنظمة إلى أوروبا في الارتفاع حتى عام 2023. ووفقا لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فقد ارتفع إجمالي النازحين العالمي إلى أكثر من 100 مليون، وسيتم تحطيم هذا الرقم القياسي إذا استمرت الحرب في أوكرانيا. وتوقعت المحللة إليزابيث براو أن “الموجة الأولى من ضحايا الحرب غير المباشرة تتجه نحو أوروبا ومن شبه المؤكد أن تتبعها موجات أكبر”.
وفي حديثها في وقت سابق من هذا الشهر، قالت إيلفا جوهانسون، مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية، إن أوروبا تواجه “تحديا كبيرا”. وقالت إن أزمات الغذاء والطاقة المترابطة “يمكن أن تؤدي إلى عدم استقرار البلدان، وأن تصبح الجماعات الإرهابية أقوى، وأن تصبح الجماعات الإجرامية المنظمة أقوى. هذا يعني أن الناس… لا يشعرون بالأمان للبقاء في بلدهم”.
هل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على مستوى تحديات الهجرة المتجددة؟ لا يبدو الأمر كذلك. النسخة الأخيرة لاتفاق الهجرة المتعثر للاتحاد الأوروبي لعام 2020 – “آلية تضامن طوعية” – محدود، وصياغته غامضة ويفتقر إلى الإجماع. وكما هو الحال منذ عام 2015، فلا تزال النمسا والمجر وبولندا وغيرها ترفض بشكل أساسي بذل المزيد من الجهد لمساعدة دول “المواجهة” مثل اليونان وإيطاليا ومالطا وقبرص وإسبانيا في معالجة طلبات اللجوء وتوطين طالبي اللجوء.
وقالت منظمة أوكسفام إن الآلية سمحت للدول بالتنصل من مسؤولياتها، وفشلت في إنشاء طرق هجرة قانونية، واستمرت في الاعتماد بدلا من ذلك على مراقبة الحدود ومراكز الاحتجاز والحواجز المادية (مثل الجدار الحدودي الذي تم الانتهاء منه حديثا في بولندا مع بيلاروسيا). وقالت ستيفاني بوب من منظمة أوكسفام: “ستكون النتيجة غرق أنظمة الاستقبال واللجوء، والمخيمات المكتظة بالناس الذين يُتركون في طي النسيان والمزيد من عمليات الصد على الحدود الأوروبية”.
ويقول النقاد أيضا إن الكيل بمكيالين صارخ واضح في معاملة الاتحاد الأوروبي السخية للأوكرانيين مقارنة مع غير الأوكرانيين.
لا يمكن لأحد أن يتهم بريتي باتيل، وزيرة الداخلية البريطانية المحاصرة، بالكرم تجاه طالبي اللجوء، بغض النظر عن بلدهم الأصلي. لقد كذّب مخططها الثقيل والبيروقراطي (منازل لأوكرانيا) ادعاءات بوريس جونسون بأن المملكة المتحدة تقود العالم في مساعدة أوكرانيا.
واجهت باتيل ضربة مزدوجة الأسبوع الماضي. وانتقد مفتش مستقل طريقة تعامل وزارة الداخلية مع عبور المهاجرين عبر القناة ووصفها بأنها غير فعالة وغير مقبولة. وقد مزقت لجنة برلمانية، سياستها الغريبة المتمثلة في نقل المهاجرين غير المرغوب فيهم جوا إلى رواندا، ولم تجد أي دليل على أنها تخدم كرادع. وأعلنت اللجنة أنه “يجب إنشاء طرق آمنة وقانونية لدعم أولئك الذين لديهم طلب لجوء في القدوم إلى المملكة المتحدة”.
ومع تصاعد الهجرة مرة أخرى، فإنه يتزايد خطر التداعيات السياسية السلبية على مستوى أوروبا. حالة اختبار هي إيطاليا، حيث من المتوقع أن يستغل السياسيون اليمينيون المتطرفون، على أمل محاكاة نجاح حزب البديل من أجل ألمانيا، هذه القضية في الانتخابات المبكرة في أيلول.
وبشكل فوري، يجب على حكومات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة التحرك لتجنب تكرار الأزمة الإنسانية لعام 2015. ووفقا لمشروع المهاجرين المفقودين، فإنه فقد أكثر من 24,000 شخص في البحر الأبيض المتوسط وحده منذ عام 2014. وفي تشرين الثاني الماضي، غرق 27 شخصا في القناة في يوم واحد.
وختمت الصحيفة بالقول إن السياسة الحالية لا تعمل، مشيرة إلى تواصل الخسائر البشرية، وتراكم الأحزان، ما اعتبرته “وصمة عار للجميع”.