في ظلّ معطيات تتحدّث عن استخدام رئيس مجلس النواب نبيه برّي “ورقة ضغط” عبر الدعوة إلى انتخاب رئيس الجمهورية في بداية المهلة الدستورية في 31 آب… لا تضع أيٌّ من الكتل السياسية الكبيرة في حسبانها مقاطعة جلسات انتخاب رئيس الجمهورية مهما كان اسم المرشّح.
حتى الآن لا توجُّه، وفق معلومات “أساس”، لدى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب وحركة أمل وحزب الله ومعظم الكتل السياسية، وعلى رأسها “تجمّع” قوى التغيير، لمقاطعة أيّ جلسة يدعو إليها برّي حتى في حالة كانت جلسة بمرشّح واحد هو “مرشّح المحور” سليمان فرنجية، كما يصنّفه بعض النواب. أو في ظلّ ترشيح أيّ اسم “غير مرغوب به”. لكن يُتوقّع حصول مقاطعة “على الخفيف” من قبل بعض “نواب مستقلّين” في إطار تسجيل مواقف لن تؤثّر إطلاقاً على المشهد الرئاسي.
إذاً لا استنساخ لتجربتَيْ ميشال سليمان وميشال عون بعدما انتخب الأول عام 2008 في الجلسة العشرين، والثاني عام 2016 في الجلسة الخامسة والأربعين، بسبب عدم اكتمال نصاب الثلثين للحضور والانتخاب طوال هذه الجلسات.
يجزم مطّلعون أنّ “الحالة السياسية” التي أوصلت إلى انتخاب رئيس مجلس النواب بأكثرية الصوت الواحد (65 صوتاً) وسمّت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي برصيد أصوات هو الأقل في رصيد رؤساء الحكومات منذ التسعينيات (54 نائباً) لن تأتي برئيس جمهورية من الدورة الأولى بنصاب الثلثين إلا بسحر التسوية الخارجية، غير المتوافرة حتى الآن.
تشير المعطيات إلى أنّ نصاب الحضور سيكتمل، لكنّ مصير الانتخاب سيبقى معلّقاً على حبل التوافق السياسي غير الحاصل حتى الآن على مسافة أقلّ من شهر ونصف على بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية.
تكرار 22 نيسان 2014؟
قد يقود هذا السيناريو إلى تمهّل في دعوة برّي إلى جلسة الانتخاب في حال عدم توافر “ملامح” التوافق المطلوب. ويبقى السؤال: هل يُعاد أقلّه تكرار مشهد الإخفاق في انتخاب الرئيس في 22 نيسان 2014 الذي تبعه نحو عامين ونصف من الفراغ قبل انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية؟
كان المرشّح الوحيد المعلَن لرئاسة الجمهورية يومذاك سمير جعجع ممثِّلاً محور 14 آذار. وفي اللحظات الأخيرة قبل جلسة الانعقاد رَمَى وليد جنبلاط اسم النائب في كتلة اللقاء الديمقراطي هنري حلو، فكانت النتيجة: 52 ورقة بيضاء، 48 صوتاً لجعجع، 16 صوتاً لهنري حلو، صوت واحد لأمين الجميّل، وسبع أوراق ملغاة ورد فيها اسما قائد الجيش السابق جان قهوجي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. بعدئذٍ تمّ تأجيل جلسة الانتخاب إلى الدورة الثانية التي “تأجّلت” عمليّاً حتى 31 تشرين الأول 2016.
بعد عامين ونصف من الفراغ رسا القرار، بدفع من عون نفسه، على أن يكون نصاب الانتخاب بالثلثين أيضاً بحيث لا تُحتسب الجلسة وكأنّها دورة اقتراع ثانية لجلسة 2014!
أفرزت الجلسة بحدّ ذاتها مشهداً لم يسبق له مثيل في تاريخ انتخاب رؤساء الجمهورية في لبنان: في الجولة الأولى صوّت 84 نائباً لعون، وبالتالي لم يحُز على أكثرية الثلثين المطلوبة، أي 86 نائباً من عدد أعضاء مجلس النواب.
أمّا دورة الاقتراع الثانية فأُعيدت ثلاث مرّات بسبب عدم تطابق عدد الأوراق في الصندوق مع عدد الـ127 نائباً الحاضرين في الجلسة (النائب روبير فاضل كان قدّم استقالته). وكانت الثالثة ثابتة بانتخاب عون بأكثرية 83 نائباً.
لفرنجية “حسبة” مختلفة
لا يتوقّع كثيرون سيناريو مماثلاً من “حرق الأعصاب” لانتخاب رئيس فَرَضَ نفسه مسيحيّاً ووطنيّاً بمؤازرة من حليف قويّ هو حزب الله، وفي “لحظة تخلّي” من القوات اللبنانية، وفي ظلّ وهج التسوية الرئاسية مع سعد الحريري، فيما فُرِضَ فرضاً بالمقابل على الرئيس نبيه برّي ووليد جنبلاط.
لن يكون مشهد رئاسي كهذا سوى “ماركة مسجّلة” فقط باسم ميشال عون لاعتبارات خاصّة بمَن عرّضه آنذاك لهذا القطوع المُهين. وفق مطّلعين، سيحرص برّي على عدم تعريض مرشّحه المفضّل سليمان فرنجية لسيناريو “السقوط” عام 2014 أو سيناريو “النكايات” عام 2016.
وتَدلّ الجولات المرتقبة لفرنجية على المرجعيات الروحية والسياسية والرئاسية على أنّ آفاق إتمام الاستحقاق الرئاسي ما تزال “أهليّة بمحليّة” في غياب كلمة السرّ الخارجية التي قد تسقط في أيّ لحظة على الداخل اللبناني، إمّا لتثبّت حظوظ فرنجية أو لتأخذ المسار الرئاسي نحو اتّجاه آخر تفرضه متطلّبات المرحلة داخلياً وخارجياً، وأمّا الخيار الثالث فمعروف: إقفال أبواب قصر بعبدا!
ملاك عقيل – اساس ميديا