سفير الشمال-عبد الكافي الصمد
منذ قرابة شهرين تقريباً والتحليلات الإقتصادية والمالية تتحدث عن تدفّق بضع مليارات من الدولارات إلى لبنان، تتراوح بين 3 مليارات كحدٍ أدنى و5 مليارات كحد أعلى، عبر طريق المغتربين تحديداً، الذين تحدثت معلومات بأنّ أكثر من مليون مغترب سيفدون هذا الصيف إلى لبنان، وسيضخّون هذا المبلغ في بلدهم، ما سيؤدّي إلى ارتياح إقتصادي نسبي خلال الشّهرين المقبلين على أقل تقدير.
هذه العودة بهذه الكثافة للمغتربين هذا الصيف جاءت بعد انقطاعهم قسراً عامين عن المجيء إلى لبنان بسبب الإجراءات التي اتخذت محلياً وعالمياً لمواجهة تفشي فيروس كورونا، الأمر الذي دفع المغتربين لشدّ الرحال إلى بلدهم، وتعويض غياب السّياح عنه في السنوات القليلة الأخيرة، خصوصاً العرب منهم، الذين توجّهوا إلى بلدان أخرى يجدون فيها مقومات سياحية أفضل، سواء على صعيد الخدمات أو الأسعار.
الإنعكاسات الإيجابية لقدوم المغتربين إلى لبنان تمثلت في تنشيط حركة الفنادق والحجوزات فيها بعد شبه توقف عانت منه في السّنوات الثلاث الأخيرة، وكذلك النشاط الملحوظ الذي تشهده حركة المطاعم ومحال الحلويات ومحال الألبسة والأحذية والهدايا، ومراكز الترفيه والسوبرماركت وغيرها، كون هؤلاء المغتربين قدموا إلى لبنان وهم يضعون في حسابهم أنّهم سيصرفون أموالاً فيه، فضلاً عن أموال سوف يقدّمونها إلى أقربائهم على سبيل المساعدة، ما سيؤدّي إلى انتعاش عدّة قطاعات عانت من ركود كبير مؤخّراً، ويّحرّك الجمود الذي يخيّم على الأسواق ومختلف القطاعات.
غير أنّ خبراء إقتصاديين رأوا أنّ هذه الأموال التي سيضخّها المغتربون في لبنان تعتبر صغيرة وتنفع في بلد إقتصاده متواضع وبسيط، ولا يمكنها إنتشال بلد وإنقاذه من الإنهيار الذي أصابه، وهي تشبه وجبة طعام صغيرة أعطيت في بلد جائع، وأشبه بحبّة دواء مهدئة لا تلبث أن ينتهي مفعولها بعد وقت ليس بالطويل، لأنّ إنقاذ الإقتصاد الوطني وتنشيطه يتطلب خطة إقتصادية واسعة وجدّية تبدأ من إيقاف الإنهيار أولاً، قبل القيام بإجراءات بناء الثقة داخلياً وخارجياً تنطلق من طيّ صفحة الخلاف السياسي الداخلي، وجلب الإستثمارات وتنفيذ مشاريع يمكنها من ضخّ الدم في عجلة الإقتصاد الوطني كيّ تتمكن الليرة اللبنانية من إستعادة عافيتها، وتنشيط القطاع العام، وعودة الحيوية إلى القطاع الخاص، وتخفيف العبء المعيشي عن كاهل المواطنين.
لكنّ خبراء إقتصاديين وجدوا في أموال المغتربين فرصة ولو صغيرة لتكون نافذة أمل يمكن البناء عليها لاحقاً، بانتظار وصول الفرص الكبيرة التي تحتاج وقتاً، ولأنّ لبنان لا يعيش ترف الوقت هذه الأيّام، فإنّ أيّ فرصة متاحة يجب إستغلالها على أكمل وجه، وإهمالها لن يزيد من الأزمة إلا تعقيداً، لأنّ أغلب التوقعات تفيد أنّ دخول لبنان زمن الإستحقاق الرئاسي الخريف المقبل، بلا توافق سياسي داخلي وخارجي، سيؤدّي إلى مزيد من الإنهيار إذا لم يتم تحصين الوضع الداخلي، ولو بالحدّ الأدنى المتاح.