وكأنه ينقص هذا البلد الذي يترنح على كف عفريت استعراضات ومسرحيات تفاقم ازماته وتهدد الاستقرار الهش الذي يشهده سعر الصرف، لتواصل المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون معركتها التي باتت تتخذ طابعا شخصيا بينها وبين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، هي التي أقدمت يوم أمس على مداهمة مصرف لبنان بحثا عن الحاكم رياض سلامة، قبل ان تنسحب بعد قرار القاضي المناوب في النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رجا حاموش رفض اعطاء الإشارة لدخول عناصر امن الدولة الى «المركزي».

وفيما كان الرأي العام اللبناني منشغلا بمشاهدة فصول جديدة من مسلسل عون- سلامة، كان الاضراب الذي أعلنه موظفو الادارة العامة منتصف حزيران الماضي يتجدد بعد رفضهم العرض الذي قدمته لهم حكومة تصريف الاعمال التي تستخدم معهم سياسة العصا والجزرة.

ووسط كل هذ ه المعمعة التي تهدد بمزيد من الانهيار وتلاشي كل مؤسسات الدولة والخدمات  الحيوية للمواطن، ظل ملف تشكيل الحكومة في حالة من الكوما، بعدما بات واضحا ان الجميع استسلم لواقع تعذر التأليف في ظل المعطيات الراهنة، وباتت الجهود تتركز على مواصلة طلب جرعات اوكسيجين من الخارج لابقائنا على قيد الحياة، وهو ما يسعى اليه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي يتوجه اليوم الأربعاء إلى بغداد للقاء رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، محاولا الحصول على دعم عراقي جديد في ظلّ إشتداد أزمتي الفيول والطحين في لبنان.

لا حكومة قبل الخريف

وفيما كان كثيرون يترقبون زيارة سريعة يقوم بها ‏رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي إلى قصر بعبدا بعد عودته من عطلة عيد الأضحى رغم الاشتباك الكلامي بين الرئاستين الذي شهده الاسبوع الماضي، ‏أكدت مصادر قريبة من الرئيس عون لـ»الديار» أن «لا جديد في الملف الحكومي وأن الاتصالات مقطوعة بينه وبين الرئيس ميقاتي».

‏من جهتها ‏قالت مصادر مطلعة على الملف الحكومي انه دخل في نفق مظلم مرجحة ان لا يكون هناك حكومة قبل الخريف المقبل. ‏وأضافت في حديث لـ»الديار»:»‏الأزمة الحكومية باتت أزمة شخصية بين عون وميقاتي وكل منهما ينتظر من الآخر تقديم تنازل ما وهو أمر مستبعد تماما في المرحلة الراهنة». ويذكر أن الخلاف الرئيسي بين عون وميقاتي يتمحور حول وزارة الطاقة، اذ يسعى الرئيس المكلف لإسنادها الى شخصية مقربة منه، فيما يصر التيار الوطني الحر على الحفاظ عليها من ضمن حصته الوزارية.

‏وتلقائيا تقدم الاستحقاق الرئاسي على الاستحقاق الحكومي تبعا لهذه المعطيات، فانشغلت الساحة المحلية بقياس حظوظ المرشحين لخلافة الرئيس عون وأبرزهم قائد الجيش العماد جوزيف عون ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، ‏وبدت لافتة الحركة الدبلوماسية في بنشعي وسط معلومات لـ»الديار» مفادها أن «هذه الحركة ستتفعل أكثر في الأيام القليلة المقبلة مع ترقب زيارة يقوم بها فرنجية إلى البطريرك الراعي».

معركة شخصية؟!

 وبالعودة الى التحرك الذي قامت به القاضية عون والذي أتى كالعادة بتوقيت مستغرب،

أفادت المعلومات انه بعد مداهمة عناصر أمن الدولة صباحا منزل الحاكم في الرابية اثر معلومات عن وجوده فيه، من دون ان تجده، انتقلت القوة الى مصرف لبنان لتنفيذ مداهمة بحثا عنه، غير ان القاضي المناوب في النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رجا حاموش رفض اعطاء الإشارة لدخول عناصر امن الدولة الى مصرف لبنان. وبعد وصول القاضية عون الى المكان، دخلت الى المصرف وبحثت عن سلامة ولم تجده، وخرجت معلنة: أتت إشارة من القاضي رجا حاموش لإخلاء المكان.

وتضاربت المعلومات عما اذا كان سلامة كان داخل مكتبه في المركزي اثناء مداهمة عون، علما ان معلومات «الديار» رجحت ذلك لافتة الى انه ونتيجة استنفار الموظفين داخل المصرف لم تتمكن عون من الوصول اليه.

واستهجنت مصادر مواكبة للملف «اصرار عون على تجاوز صلاحياتها التي يفترض انها تنحصر في منطقة جبل لبنان من دون حسيب او رقيب وتحويل المعركة لمعركة شخصية بينها وبين سلامة»، لافتة في حديث لـ»الديار» الى انها بذلك تدق المسمار الاخير في نعش القضاء اللبناني.

وعلى اثر التطورات التي شهدها «المركزي» اتخذ مجلس نقابة موظفي مصرف لبنان بالاجماع، قراراً بالاضراب والإقفال التام  لمدة 3 ايام ابتداءً من نهار الأربعاء الواقع فيه 20 تموز 2022، «إتاحة للعقلاء للتدخل حمايةً للمؤسسة». وقال المجلس في بيان «إذ نعود ونذكر باننا تحت سقف القانون، نناشد كافة المعنيين سيمّا وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى ومدعي عام التمييز التدخل لوضع حد لهذه التصرفات غير اللائقة من قبل القاضية غادة عون، والتي تخرج عن كل الاصول القانونية في سابقة لا مثيل لها، حتى لا نضطر آسفين لإعلان الإضراب المفتوح».

من جهته، عبّر ميقاتي عن أسفه لما اسماها «الطريقة الاستعراضية التي تتم فيها معالجة ملفات قضائية حساسة لها ارتباط بالاستقرار النقدي في البلاد، مما يعرّض البلد لاهتزاز لا تحمد عقباه». وقال «إن مداهمة المصرف المركزي بهذا الشكل الاستعراضي وسط تداخل الصلاحيات بين الاجهزة القضائية  ليس الحل المناسب لمعالجة ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة». وأضاف:»قلت وأكرر لسنا متمسكين بأحد، ولا ندافع عن احد، بل نتمسك بالقضاء العادل بعيدا عن الاستنسابية، مع الحرص على سمعة لبنان المالية دوليا. والمطلوب ان تتم معالجة هذا الملف بتوافق سياسي مسبق على حاكم جديد لمصرف لبنان، ولتأخذ القضية مجراها القانوني المناسب بعد ذلك».

معيشيا، وفيما كان ‏الجميع يترقب موقف موظفي الادارة العامة بعد الاجتماع الحكومي الذي شهده السراي يوم الاثنين، عاد الموظفون ليؤكدوا تمسكهم بالإضراب رفضا للقرارات التي اتخذت ‏ما يعني أن اللبنانيين سيكونون على موعد من مع مزيد من التصعيد سواء من قبل المضربين أو من قبل الحكومة التي كانت قد هددت بعدم دفع الرواتب نهاية هذا الشهر. ‏وتقول مصادر مطلعة على هذا الملف لـ «الديار» ان «المحصلة تؤكد ان ‏أزمات اللبنانيين المرتبطة بهذا الاضراب ستتفاقم ومصالح عشرات الآلاف ستتضرر ‏في ظل تعنت الحكومة وعدم امتلاكها مصادر التمويل اللازمة لتلبية مطالب المضربين، وتشدد هؤلاء باعتبار انه لم يعد لديهم ما يخسرونه».

وفي هذا السياق، اعتبرت رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر ان «الاجتماع الوزاري الذي عقد الاثنين لم يقدم اي خطوة ايجابية، إنما المزيد من الانكار والتجاهل والقهر النفسي والمعنوي للموظفين». واكدت في حديث اذاعي «الاستمرار بالاضراب العام لانه الخيار الوحيد المتبقي للحصول على المطالب»، قائلة:»لاضراب المفتوح مستمر وبعزيمة اكبر لتعمد السلطة اذلال الموظف ولا تراجع».