نصر الله ومعادلة الرعب في العيد الأربعين…
د. جمال زهران*-البناء
تحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مساء الأربعاء 13 تموز/ يوليو 2022، لمدة تزيد عن نصف ساعة، في الذكرى الأربعين لتأسيس الحزب، وتواكب ذلك مع زيارة الرئيس الأميركي (بايدن) المشؤومة، إلى المنطقة بدءاً من الكيان الصهيونيّ، وانتهاءً بالسعودية (جدة)، ليقدّم قراءة للواقع وكيفية التعامل معه. الأمر الذي يجعل من كلمات السيد في هذا التوقيت نقطة تحوّل كبيرة في إدارة الصراع في الإقليم وأمنه القومي، بلا شك.
فحزب الله الذي تأسّس قبل أربعين عاماً، كان نقطة تحوّل في استعادة الكرامة والسيادة والاستقلال للبنان والوطن العربي، لأنه انتهج طريق المقاومة من البداية، مفهوماً وقولاً وفعلاً. كما أنّ تولي السيد نصر الله، الأمانة العامة بالانتخاب قبل ثلاثين عاماً وللآن، نقطة تحوّل كبيرة في أداء الحزب لرسالته.
ولذلك ألقى على نفسه عاتق تحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني، بلا قيد أو شرط وباستخدام القوة ضدّ الكيان الصهيوني، وكان له النصر وتحرير لبنان وطرد العدو الصهيوني في 25 مايو/ أيار 2000. وكان لهذا النصر الأثر الكبير في تنمية قدرات الحزب والثقة في نفسه، وازدياد التركز السياسي في الداخل اللبناني. ثم تطوّرت الأمور في عام 2006، بالمواجهة القوية للعدوان الصهيوني، في يوليو/ تموز 2006، وظهر من الحكام العرب الحلفاء للكيان الصهيوني، والمستعمر الأميركي، من يدّعي على الحزب بأنه الـ «بتاع»، ده! والواقع يشهد أنّ الحزب رفع رأس الأمة العربية، وتولى مقاليد القيادة في الإقليم من مربع المقاومة. وانتصر الحزب، وتدعّمت إرادته، وبدلاً من كسر شوكة الحزب بهذا العدوان، ازداد وزن الحزب إقليمياً ودولياً وداخلياً، وأصبح رقماً على كافة الأصعدة.
وبعد أربعين عاماً، يتحدّث الأمين العام للحزب السيد نصر الله، ليعلن على الملأ، معادلة الرعب للكيان الصهيوني، دفاعاً عن مصلحة الدولة اللبنانية وشعبها، ودفاعاً عن القضية الفلسطينية، وكسراً لإرادة وشوكة العدو الصهيوني، لوقف بلطجته، وبلطجة من يحرّكه وهو المستعمر الأميركي.
فقد أتى حديث السيد نصر الله، في موعده، بما تضمّنه من الانتقال من معادلة القوة التي تقوم على المواجهة الندية بين طرف المقاومة، وطرف الكيان الصهيوني، والقائمة على فكرة «ردّ الفعل»، إلى معادلة «الرعب»، وهي التي تقوم على التهديد باستخدام فعلي للقوة العسكرية للمقاومة ضدّ الكيان الصهيوني، في حال إصراره على كسر الحدود البحرية اللبنانية، واستخراج البترول والغاز من أرض بحرية لبنانية. فلا مناص إذن من استخدام القوة ضدّ الكيان الصهيوني، وليحدث ما يحدث، وأنّ المقاومة مستعدّة لكلّ الخيارات في تلك اللحظة. وهي لن تقبل بتدنيس أرض لبنان وبحره، واستغلال موارده لحساب العدو، من بترول وغاز، وهذا غير مقبول بأيّ شكل مهما كانت النتائج والتحديات والتداعيات.
بعبارة أخرى، فإنّ التهديد بالحرب، وتفضيل خيار «الحرب» ضدّ العدو الصهيونيّ، حال استمرار تصرفاته العدوانية ضدّ الأرض اللبنانية في المنطقة الحدودية مع فلسطين المحتلة القابع فيها الكيان الصهيوني، هو الصورة الجديدة لخيار المقاومة. حيث تمّ تغيير الاستراتيجية من معادلة «القوة» إلى معادلة «الردع»، كما سبق إيضاحه.
فاليوم نحن أمام مشهد جديد للغاية. فبعد أن كانت المقاومة بقيادة حزب الله، تكتفي باستعراض القوة لردع «إسرائيل» للحيلولة دون وقوع أيّ عدوان صهيوني، إلا أنها الآن، لا تقف عند هذه الحدود، وتهدّد بشكل واضح وصريح ومباشر، بالحرب ضدّ الكيان الصهيوني، وليحدث ما يحدث. حيث إنّ المقاومة يمكنها بما تمتلكه من قدرات عسكرية واسعة، التهديد بإعلان الحرب، وإنها تمتلك القدرة على قلب المائدة على الجميع في الإقليم بل وفي العالم كله.
فقد قال السيد نصر الله، إنّ المقاومة أطلقت ثلاث مُسيّرات، وليست واحدة، أو أكثر. لأنّ إطلاق واحدة كما حدث لها تأثير محدود مثلما حدث من قبل، وإنّ أكثر من ذلك لا لزوم له الآن. بل تمّ إرسال ثلاث مُسيّرات، لإيصال رسالة واضحة تتمثل في أنه لن تسمح المقاومة بانفراد الكيان الصهيوني في التحكم في استثمار المنطقة البحرية اللبنانية مهما كان الأمر، ووصلت الرسالة بالفعل.
فالمسألة لدى السيد نصر الله، تتبلور في أنّ العدو الصهيوني قام بإرسال سفينة لاستخراج البترول وبيعه، من أرض تقع في الحدود اللبنانية، حيث سبق الاستكشاف والتنقيب، وهو غير مسموح به نهائياً، فكانت المُسيّرات الثلاث، لتهديد مباشر للعدو الصهيوني، بأنه لن يُسمح له باستخراج وبيع بترول وغاز ملك لبنان وشعبه. وهنا يرى السيد نصر الله أنّ المقاومة هي ظهير الدولة وليست بديلاً عنها، وأنها تعلن دعمها للدولة اللبنانية، وإصرارها على الدفاع عن موارد وأموال الشعب، تصل قيمتها إلى عشرات مليارات الدولارات، وتستطيع أن تغيّر أحوال اللبنانيين. حيث إنّ أميركا تصرّ على محاصرة الشعب اللبناني وتجويعه، فهي التي فرضت «قانون قيصر»، ولا تريد الاستثناء لتوصيل الغاز المصريّ والكهرباء الأردنية، عبر سورية، إلى لبنان! فأميركا هي العدو الرئيسي للشعب اللبناني، والمقاومة لن تسكت عن استمرار تجويع الشعب، وانهيار الدولة اللبنانية، الأمر الذي يستلزم تجميع كلّ صفوف الشعب مع المقاومة، وانْ لم يحدث، فإنّ المقاومة ستقوم بمسؤوليتها، أياً كانت النتائج. فالحرب شرف عن قبول الجوع والتجويع، والشهادة من أجل الوطن، أرفع المراتب دفاعاً عن حق الشعب في العيش بكرامة وعزة، بديلاً عن العيش بذل ومهانة.
ووفقاً لمقولة ناصر الخالدة: «ما أخذ بالقوة لا يُستردّ بغير القوة»، وأثبتت حركات المقاومة في العالم، أنّ الاستعمار لم يرحل إلا بالقوة، وأنّ المقاومة لم تنتصر إلا بالقوة، والشعوب لا تتحرّر إلا بالقوة.
لذلك فإنّ كلمات السيد نصر الله، الأخيرة، وهي تنقل الصراع مع الكيان الصهيوني، من معادلة «القوة» إلى معادلة «الرعب»، فهي تنقلنا إلى معادلة «العيش بكرامة وعزة»، بديلاً عن معادلة «الاستسلام والذلة والعار» لعدو مغرور وفاجر، وأنّ جسر تحقيق هذه المعادلة الجديدة، فهو الشهادة في سبيل الوطن وحفاظاً على كرامة الشعب اللبناني والفلسطيني والعربي، وإنا لقادرون، وإنا لمنتصرون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.