حسن حردان-البناء
يدرك جميع المراقبين والمحللين في العالم والمنطقة انّ الأهداف الأساسية لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة كانت بالدرجة الأولى تستهدف تحقيق هدفين يتوسّل من خلالهما معالجة تراجع شعبيته في الداخل الأميركي وتعزيز الوضع الانتخابي للحزب الديمقراطي عشية الانتخابات النصفية التي ستشهدها الولايات المتحدة.. والتي تؤشر استطلاعات الحالية إلى احتمالات فوز الجمهوريين وسيطرتهم على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ مما يضعف من قوة الرئيس بايدن في ما تبقى من ولايته الرئاسية.
فما هما هذان الهدفان؟ وهل تمكن بايدن من تحقيقهما؟ أم أنه فشل في ذلك؟ وماذا يعني فشله في تحقيق أهداف زيارته للمنطقة؟
أولا، هدفا الزيارة:
1 ـ الضغط على المملكة السعودية لزيادة إنتاج النفط بغرض خفض أسعاره في الولايات المتحدة وإضعاف المداخيل الروسية من العائدات النفطية.
2 ـ دعم التوجه «الإسرائيلي» لدمج «إسرائيل» امنياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً مع دول الخليج بما يعزز موقف «إسرائيل» في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة، ويمكن إدارة بايدن من الحصول على دعم اللوبي «الإسرائيلي» الأميركي في الانتخابات المقبلة من جهة ثانية.
هل نجح بايدن في تحقيق الهدفين المذكورين آنفاً؟
كل الوقائع تشير إلى أنّ بايدن أخفق في ذلك، فعلى صعيد زيادة إنتاج النفط حصل بايدن على وعد بزيادة الإنتاج السعودي من 11 مليون برميل في اليوم إلى 13 مليون برميل، لكن هذا الوعد ربطه وزير الخارجية السعودي بثلاثة أمور تجعله وعداً صعب التحقق،
الأمر الأول، قدرة المملكة على تحقيق هذه الزيادة، التي هي أقصى ما يمكن أن تصل اليه المملكة في المستقبل، وهذه القدرة ليست مرتبطة بالعاطفة والسياسة كما قال وزير الخارجية وإنما بالقدرة العملية التي تحتاج الى سنوات…
الأمر الثاني، التوصل إلى اتفاق سعودي كويتي حول تقاسم حقل النفط المشترك الواقع على الحدود بين البلدين.. والذي من دونه لا يمكن للسعودية رفع إنتاجها من النفط أكثر مما هو حالياً…
الأمر الثالث، ربط ايّ زيادة باجتماع «أوبك بلاس»، حيث أكد المسؤولون السعوديون انّ قرارات السياسة النفطية ستتخذ وفقاً لمنطق السوق وداخل تحالف «أوبك بلاس»… ما يعني أن السعودية لا تريد أن تنفرد بأيّ زيادة، ولا أن تخرج من اتفاق «أوبك بلاس» الذي يضبط السوق النفطية ويحول دون أيّ زيادة خارج حاجة السوق.
هذا يعني أنّ ايّ زيادة للإنتاج لن تحصل في المدى المنظور وتحتاج إلى توافر الشروط المذكورة آنفاً، الأمر الذي يجعل الوعد السعودي لبايدن مجرد وعد غير قابل للتنفيذ أقله في الأشهر المقبلة.. في حين أنّ إدارة بايدن تريد الزيادة الآن لا سيما قبل بدء الانتخابات النصفية في شهر تشرين الثاني المقبل..
ثانياً، أما على صعيد دمج «إسرائيل» بالمنطقة فقد جاءت النتيجة مخيّبة لآمال تل أبيب التي راهنت على نجاح بايدن في تحقيق هذا الهدف، لكن الإمارات والسعودية نفتا وجود ايّ توجه لتشكيل تحالف أمني مع «إسرائيل» في مواجهة إيران..
لهذا قالت وكالة «رويترز» إنّ الرئيس الأميركي جو بايدن لم ينجح في تأمين التزامات أمنية ونفطية كبيرة خلال قمة جدة للأمن والتنمية.. وانّ بايدن أبلغ الزعماء العرب أنّ الولايات المتحدة ستظلّ شريكاً فعّالاً في الشرق الأوسط، ولكنه أخفق في الحصول على التزامات بإنشاء محور أمني إقليمي من شأنه أن يشمل «إسرائيل»، أو زيادة إنتاج النفط بشكل فوري..
ويمكن القول انّ بايدن عاد إلى واشنطن خالي الوفاض حيث لم يحصل على مراده بزيادة سريعة لإنتاج النفط قبل الانتخابات الأميركية النصفية، ولا حقق لـ «إسرائيل» هدف إعلان تحالف أمني، في حين حقق ولي العهد السعودي مراده بأن حصل على مصافحة بايدن وتخلى الأخير عن انتقاداته له في قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.. الأمر الذي أثار ردود فعل أميركية منتقدة لقاء بايدن مع ابن سلمان ومكافأته على انتهاكاته حقوق الإنسان في المملكة!
ثالثاً، ماذا يعني فشل بايدن في تحقيق الأهداف التي سعى إليها من زيارته؟
1 ـ انّ إدارة بايدن فشلت في محاولتها خفض أسعار النفط والمواد الاستهلاكية والحدّ من التضخم في الداخل الأميركي والذي أضعف من شعبية بايدن وحزبه الديمقراطي…
2 ـ انّ إدارة بايدن أخفقت في تعويض النقص في النفط الروسي، وبالتالي فشلت في محاولة زيادة الضغط على الاقتصاد الروسي وإضعاف مداخيل روسيا من النفط والغاز.
3 ـ انّ إدارة بايدن كشفت عن مدى تراجع الهيبة والسطوة الأميركية، حيث ظهر بايدن رئيساً ضعيفاً عاجزاً يسترضي ولي العهد السعودي ويقدّم له التنازلات في قضية مقتل خاشقجي، على الرغم مما تثيره من انتقادات قوية من قبل الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي… من دون أن يحصل حتى على مقابل لهذا التنازل…
4 ـ انّ تمسك دول الخليج باتفاق «أوبك بلاس» عكس إصرارها على أخذ مسافة من الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا.. الأمر الذي عكس التحوّل الحاصل في العلاقات والتوازنات الدولية وازدياد شعور الحكومات الخليجية بضرورة الوقوف على الحياد في هذا الصراع ومراعاة مصالحها النفطية التي تجعلها ليس لها مصلحة في إغضاب روسيا، وأقرب إلى عدم زيادة إنتاج النفط، للحصول على المزيد من العائدات المالية الكبيرة الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط.. وهو ما يمكن السعودية من تعويض بعض خسائرها الهائلة في حربها على اليمن…