فيما بشر وزير الاقتصاد اللبنانيين برفع قريب للدعم عن «الرغيف»، وبينما تعيش الدولة شللا في القطاع العام ، وتعثرا في تشكيل الحكومة، لم يكن ينقص البلاد الغارقة في مستنقع «المياه الآسنة» سياسيا واقتصاديا، الا دخول اقتراح تقسيم بلدية بيروت طائفيا على خط الازمات، وهو ما اثار حساسيات طائفية ومذهبية دفعت بمفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان الى الاعلان عن رفض العودة إلى منطق «الشرقية والغربية».

في هذا الوقت عاد رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الى بيروت، بعد عطلة طويلة لمناسبة عيد الاضحى، لكنه لم يسلك طريق القصر الجمهوري، في مؤشر على عدم النجاح في تفكيك «الالغام» التي تعيق التشاور في التشكيلة الحكومية.

في هذا الوقت «يطبخ» الاستحقاق الرئاسي على نار هادئة دون استعجال من قبل القوى السياسية التي تنتظر التطورات الاقليمية والدولية علها تساعد في فرز الاسماء، فيما العمل داخليا يجري على خطين: الاول «حرق» بعض الاسماء المتداولة، والخط الثاني محاولة توحيد الجهود وراء مرشح واحد لدى كلا «المعسكرين»، وهو امر ليس متاحا بعد.

وفي انتظار نتائج جولة الرئيس الاميركي جو بايدن، والقمة الثلاثية السابعة بين رؤساء ايران وروسيا وتركيا اليوم، لا يزال ملف «ترسيم» الحدود البحرية في صدارة الاهتمامات والمتابعات في «اسرائيل» بعد دخول حزب الله على «الخط» بمسيّراته التي جالت احداها بالامس فوق الاراضي الفلسطينة المحتلة. وفي هذا السياق تخشى القيادات «الاسرائيلية» من تطور دراماتيكي على الحدود، فيما يجري الحديث عن ضياع فرصة استغلال وجود الرئيس الاميركي جو بايدن في المنطقة للتوصل الى تسوية في هذا الملف.

«الترسيم» على ثلاث جبهات

تحرك ملف «ترسيم» الحدود البحرية بالامس على ثلاث جبهات: في بيروت التقى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي السفيرة الاميركية دوروثي شيا، وكذلك السفيرة الفرنسية آن غريو، حيث جرى البحث في هذا الملف. فيما جال وفد اميركي على الرؤساء الثلاثة الذين اكدوا انه لم يعد هناك اي تبرير لعدم انهاء هذا القضية. ووفقا للمعلومات، لم تحمل شيا جديدا الا التأكيد ان الملف موضع متابعة من قبل بلادها، وسيزور «الوسيط» الاميركي عاموس هوكشتاين بيروت قريبا لنقل التصورات «الاسرائيلية» حيال التسوية اللبنانية المقترحة، دون ان تنسى الاعتراض على ما تسميه تصعيد حزب الله الميداني الذي يهدد «فرص» التوصل لاتفاق، حسب زعمها.

ميدانيا حضر الملف مجددا مع اعلان «الجيش الاسرائيلي» اسقاط طائرة  مسيّرة تابعة لـحزب الله اجتازت الحدود من لبنان، وأوضحت الاذاعة «الاسرائيلية» أن المسيّرة تحمل كاميرا يبدو أنها قامت بتصوير جوي وتسجيل في الأراضي «الاسرائيلية»، مضيفة أنها لم تصب باذى مما سيمكن «الجيش الاسرائيلي» من معرفة المهمة التي نفذتها.. وتعتبر هذه الخطوة برأي مصادر متابعة، اختبارا جديدا لوسائط الدفاع الجوية للعدو الاسرائيلي من قبل المقاومة، «ورسالة» جديدة تثبت عدم التهاون في هذا الملف، الذي سيذهب فيه حزب الله حتى النهاية.

  الفرصة الضائعة

في هذا الوقت، حضر الملف بقوة على الجبهة الثالثة في «اسرائيل»، حيث اقرت صحيفة «يديعوت احرنوت» بان تسوية هذا الملف بيد الرئيس بايدن الذي لم تحقق زيارته الى المنطقة شيئاً يذكر، وكان بامكانه ان ينهي هذا الملف. وبحسب مصادر مسؤولة، فان «إسرائيل» فوتت فرصة كبيرة لوقف التهديد العسكري الأهم المتمثل بحزب الله الذي طوّر قدرة مبهرة، وهو مستعد لفتح حرب في كل لحظة.

ولفتت الصحيفة الى ان المفاوضات حول الترسيم تسير ببطء منذ سنوات عديدة، وكان يمكن إقناع بايدن بالتوجه علناً إلى الرئيس اللبناني والشعب اللبناني ليقول ما يأتي: «الولايات المتحدة أجبرت إسرائيل على الموافقة على خط الحدود البحرية الذي تقدمتم به ، والآن أتوقع من حكومة لبنان أن توقع مع إسرائيل على هذا الخط. إذا فعلتم ذلك ستبدؤون بإنتاج الغاز في مصلحة مواطني لبنان. وأكثر من هذا، أنا، رئيس الولايات المتحدة، سأؤثر في شركات أميركية لتنفيذ التنقيبات لكم. لكن إذا رفضتم فسأمنع عنكم كل مساعدة من الغرب، بما في ذلك صندوق النقد الدولي». فتصريح علني كهذا من جانب الرئيس الأميركي كان برأي «يديعوت» «سيجبر حزب الله على إيقاف تهديداته، وكان من السهل على اسرائيل إقناع الرئيس الأميركي بإصدار مثل هذا التصريح، لانه يتناسب والمصلحة الأميركية ايضا. لكن هذا لم يحصل وهو خسارة كبيرة»…

  التصعيد وحرب الاستنزاف!

بدورها، نقلت صحيفة «هارتس» عن مسؤول رفيع المستوى تحذيره من خطورة المرحلة الراهنة الاكثر حساسية منذ حرب العام 2006. ووفقا للصحيفة «منذ دخول وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ في 14 آب 2006 تجري العلاقات بين الطرفين في إطار قواعد اللعب والردع المتبادل، ولكن الطرفين الآن في أزمة متدحرجة تنطوي على خطر ملموس للتصعيد». واعتبرت الصحيفة «ان النزاع الحالي يحمل طابع الأزمة بسبب اندماج تهديد حقيقي وضغط الوقت، وخطر تبادل لكمات قد يخرج عن السيطرة. كل ذلك يحدث في الساحة البحرية التي لم يعتدها الطرفان. ولهذا ربما سيفضل حزب الله في الفترة القريبة المقبلة فرض حرب استنزاف على إسرائيل في محاولة للتشويش أو وقف تشغيل المنصة، دون التدهور إلى مواجهة واسعة». وبرأيها سيصبح حقل «كاريش» كنوع بحري معادل لمستوطنات غلاف غزة. وخلصت الصحيفة الى القول « نصر الله يسعى إلى فرض تغيير على سياسة إسرائيل دون الانزلاق إلى حرب. ولكن إذا حكمنا على الأمور حسب رسائله العلنية، فإن عدم رغبته في إحداث اشتعال لن يمنعه من المخاطرة بالمواجهة»، برأي الصحيفة، التي تنصح «صناع القرار في إسرائيل بوضع أهداف استراتيجية واقعية، ويأخذوا في الحسبان أن حزب الله قد يفرض على إسرائيل البحث عن بدائل مثل استنزاف محدود أو مواجهة عسكرية تنعكس على كل المنطقة».

جولة الوفد الاميركي

وفيما واصل رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط مواقفه التصعيدية ضد حزب الله مرجحا ان نكون دخلنا في الحرب الروسية – الأوكرانية، لأن كلام السيد حسن نصرالله برأيه كان واضحا، «لا للغاز في البحر الأبيض المتوسط»، ما يعني أنه يجيب الغرب ويقول لن تستطيعوا أن تعوّضوا نقصان الغاز الروسي من البحر الابيض المتوسط، جال وفد من «مجموعة العمل الأميركية للبنان» على الرؤساء الثلاثة برفقة السفيرة الأميركية دوروثي شيا، وأجرى الوفد محادثات صريحة، مؤكدا على أهمية السرعة في العمل من جانب الحكومة والمجلس النيابي لإنجاز القوانين والسياسات لجهة دفع المفاوضات قدماً مع صندوق النقد الدولي، كما أجرى نقاشاً حول العلاقات الثنائية بين لبنان والولايات المتحدة ودعم القوات المسلحة اللبنانية والبرامج الإنسانية.

وكانت الجولة مناسبة للبحث في عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، حيث أكد رئيس الجمهورية ميشال للوفد عدم جواز تأخير عملية ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، مركّزاً على «ضرورة تفعيل الوساطة الأميركية التي يقوم بها السفير آموس هوكشتاين للوصول إلى خواتيم سريعة، وتمكين لبنان من استثمار حقوقه من النفط والغاز في مياهه من جهة، مع المحافظة على استقرار الحدود من جهة أخرى، وعلى أهمية عامل الوقت في هذا المجال». بدوره، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري للوفد الأميركي: «لم يعد من وقت للمماطلة والتأخير في ترسيم الحدود البحرية والسماح للشركات التي رست عليها المناقصات بمباشرة عملها، ولا مبرر على الإطلاق لهذا التأخير أو المنع».

عودة «الشرقية والغربية»؟

في هذا الوقت دخل مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ عبد اللطيف دريان، عقب عودته من مكة المكرمة بعد أدائه مناسك الحج، على خط الطروحات بتقسيم بلدية بيروت، واصفا ما يردّده البعض بانها مشاريع همايونية، معتبراً أنّ «هذه إرهاصات تنذر بما لا يُحمد عقباه، ولا يمكن أن تمرّ، لأنّ التقسيم هو عودة إلى شرقية وغربية في بيروت، وهذا أمر مرفوض شكلاً ومضموناً ويهدّد العيش المشترك الإسلامي – المسيحي الذي حافظنا وسنحافظ عليه مهما كان الثمن.

كلام دريان جاء قبل أقل من سنة على موعد الانتخابات البلدية، حيث برزت إلى الواجهة مطالبات بعض الأحزاب، لا سيما المسيحية منها، بتقسيم بلدية بيروت إلى بلديتين، على غرار ما هي مقسمة في الدوائر الانتخابية، بين بيروت الأولى وتضم مناطق الأشرفية، والصيفي، والرميل، والمدور والمرفأ، وبيروت الثانية التي تضم مناطق ميناء الحصن، والباشورة، ورأس بيروت، والمصيطبة، وزقاق البلاط، والمزرعة وعين المريسة.

هذا المطلب وما يرافقه من هواجس طائفية، يعبر عنه، بشكل مباشر أو غير مباشر، نواب «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب»، وكذلك «التيار الوطني الحر» الذي تقدّم قبل أيام نوابه باقتراح قانون لاستحداث البلديتين، لكن هذا الاقتراح يعارضه حزب الله و»حركة امل» ونواب «التغيير». ودخل «تيار المستقبل» بقوة بالامس على خط الرفض من خلال تغريدة لامين عامه احمد الحريري الذي غرد قائلا: «ما حدا أكبر من بيروت. باقية واحدة موحّدة في وجه التقسيميين الجدد. تعلّموا من الماضي والحاضر، بيروت أكبر من تقية وعنصرية قوى وتيارات لا تتفق إلا على التقسيم وضرب قواعد العيش المشترك»، أضاف: «قبل الانتخابات كنتوا عم ترشحوا زيت الوحدة والعيش الواحد. شو عدا ما بدا»؟

«التقسيم» لن يمر

وبحسب اوساط نياية بارزة لن يمر الاقتراح في مجلس النواب بسبب اعتراض عدد كبير من الكتل النيابية، خصوصا رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي لن يسمح بعودة الدعوات التقسيمية، فالحل بالجمع وتفعيل العمل، لا القسمة على قواعد مذهبية. ولهذا لن يطرح الاقتراح في الجلسة العامّة ولا سينال الأكثرية…تجدر الاشارة الى ان مجلس النواب دخل في سباق مع الوقت، لإقرار مجموعة من القوانين الضرورية، قبل 1 ايلول، وهي المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ، وأبرزها مشروع قانون الـ «كابيتال كونترول»، ومشروع قانون رفع السرية المصرفية بعد إقراره من قبل لجنة المال والموازنة، ومشروع قانون قرض البنك الدولي المخصص لشراء القمح بقيمة 150 مليون دولار، فيما تنتظر خطة التعافي المالي والإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي وموازنة عام 2022 التعديلات التي طلبتها لجنة المال والموازنة من الحكومة، حتى تنتهي من دراستها وعرضها على الهيئة العامة.

ميقاتي لن يتراجع

وفيما عاد رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الى بيروت، لم يبادر الى زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون، في تعبير واضح عن استمرار القطيعة بينهما، حيث لم يجر تحديد موعد جديد في بعبدا. ووفقا لزوار ميقاتي انه يضع «الكرة» في «ملعب» رئيس الجمهورية الذي اشترط عليه أن يحضر إلى بعبدا حاملا تشكيلة حكومية جديدة، وهو امر لن يقبله لانه يتعارض مع صلاحياته بتسمية الوزراء.. ولهذا لن يزور الرئيس الا بعد تراجع عون عن شروطه المسبقة، لانه لا يريد ان يسجل سابقة تسجّل بحق موقع رئاسة الحكومة.

ووفقا للمعلومات يصر ميقاتي على عدم التراجع عن قراره عدم اسناد وزارة الطاقة للتيار الوطني الحر، وكذلك ليس في صدد الخضوع لاي شرط يتعلق بتركيبة الحكومة. وفي هذا السياق، تشير اوساط مطلعة الى ان الملف الحكومي بات وراء الجميع، والآن بدأ التحضير جديا للاستحقاق الرئاسي، وكل كلام مغاير تضييع للوقت والجهد. حكومة تصريف الاعمال ستبقى لتدير مرحلة ما بعد رئاسة عون اذا حصل «الفراغ».

«جس نبض» رئاسي

رئاسيا، لا جديد فالكل يناور في هذا الملف، واذا كان البعض اعتبر الدعم المشروط من قبل رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع لقائد الجيش جوزاف عون انه «حرق» للاسماء، فان الاتصالات بين رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، لا تزال في اطار «جس نبض» باسيل لجهة احتمال تبني ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية… ووفقا للمعلومات لا شيء نهائي حتى الآن، لكن ما هو ثابت وجود قناعة لدى باسيل بتراجع حظوظه، لكنه لا يبدو مستعجلا لحسم قراره مبكرا، ودون الوصول الى تفاهمات «مضمونة» مع الرئيس الجديد حيال اكثر من ملف لن يحصل اي تفاهم.

اضراب القطاع العام

في هذا الوقت، خرج اجتماع السراي الحكومي لحل مشكلة اضراب القطاع العام بوعود مكررة لا يبدو انها ستنهي المشكلة، خصوصا ان الكثير من التقديمات وتصحيح الاجور مرتبط باقرار الموازنة والايرادات وخصوصا الدولار الجمركي، وبانتظار قرار نقابة الموظفين اليوم، تبدو الاجواء سلبية بعدما دعا المساعدون القضائيون الى الاضراب ، وخلال ترؤس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام، قال ان الإضراب على أحقيته ومشروعيته، ليس الحل المستدام، إذ يتسبب بشل كل مفاصل الدولة ووقف الايرادات الكفيلة تحسين الأوضاع الاجتماعية وزيادة الرواتب… واقر ان تلبية المطالب دفعة واحدة أمر مستحيل ويتسبب بانهيار أوسع للاوضاع، وخلص الى القول «نحن لسنا في هذا الصدد».

رفع الدعم عن «الرغيف»؟

في هذا الوقت، بشر وزير الاقتصاد امين سلام الذي زار السراي بقرب رفع الدعم عن الرغيف، وقال : هناك تجار أزمات في البلد، وسياسة الدعم السابقة تعتبر مصيبة، ونعيش آخر تداعياتها اليوم، ومن المستحيل أن نكمل بهذه الطريقة. اضاف: قرض البنك الدولي أحد أهم أهدافه استمرار تأمين القمح للبنان وترشيد الدعم للأشهر الـ9 المقبلة، وبالتالي رفع سعر ربطة الخبز تدريجاً ريثما نجد الحلول.

من جهته أوضح نقيب أصحاب الأفران في جبل لبنان انطوان سيف أن «سبب ازمة الخبز والطحين هو توقف عدد من المطاحن عن العمل وحلول فترة الاعياد من دون تأمين المخزون للافران، لافتاً إلى أن «الوزير وعدنا بوصول كميات عبر البواخر، نأمل أن تصل بالوقت اللازم، وأن يتم تحويل الاموال لها وان تخضع للتحاليل المخبرية».