الكاتب : حمد حسن التميمي
تتلخص فكرة كتاب «النباهة والاستحمار» في كون الإنسان صاحب قيمة كبيرة في هذه الأرض، حيث تقع على عاتقه مسؤولية معرفة ذاته وطاقاته الكامنة وإمكانياته الدفينة جيداً، وهو ما سماه صاحبه «د. علي شريعتي» بالنباهة الإنسانية.
تناول المؤلف العديد من قضايا الفكر بين ثنايا كتابه، مؤكداً أن الفكر هو الفائز في الصراع القائم بينه وبين العلم على الدوام. فهو القادر على مجابهة الحروب النفسية والأجندات التي تحاول الدول الاستعمارية فرضها على الشعوب. وبيّن كيف أن المجتمعات المفتقدة للنباهة ستبقى كسيرة مهزومة، حتى لو تفوقت في المجال العلمي والصناعي، إذ ستظل مستهلكة بدلاً من أن تكون منتجة، مما يستوجب امتلاك فكر ووعي لبناء الحضارة وصناعة الإنسان النبيه.
كما أوضح المؤلف كيف أن الإنسان ينبغي أن واعياً بدوره الإنساني في المجتمع. مشيراً إلى أنه وعلى امتداد العصور برزت جماعات هدفها الجوهري هو إلهاء الإنسان عن الحقوق والمطالبات الفورية الأساسية التي تتحقق بها إنسانيته، لتستطيع فرض هيمنتها، وتتمكن من تسخيره لخدمة أغراضها، وذلك ما يسميه المفكر الإيراني بـالاستحمار، أي تحويل الإنسان إلى حمار يسهل ركوبه.
يقول الدكتور «علي شريعتي»: «إنه نه لمن سوء الحظ أن لا ندرك ما يراد بنا، فيصرفوننا عما ينبغي أن نفكر فيه من مصير مجتمعنا أو أفكر فيه أنا من مصيري كإنسان..». ويشير إلى أن المجتمع الذي يملك أهدافاً عليا، ويرتبط بعقيدة وإيمان راسخين، قادر على دحر أي قوة تحاول السيطرة عليه، شرط أن يكون مخلصاً لأهدافه وعقيدته، متمسكاً بالقيم والمبادئ السامية، يسير على النهج المرسوم دون التفات لما يحاول الأعداء فعله بهدف زعزعة إيمانه وإخراجه عن المسار السليم.
ولا يكون الاستحمار من قبل جهات خارجية فحسب، بل يمكن أن يكون من الداخل. فالدول الاستبدادية التي لا تعترف بحقوق الفرد ولا تمجد قيمة الإنسان على رأس القائمة في استحمار شعوبها. ومن هنا يبرز دور الفرد في التيقظ والانتباه لما يجري حوله، وأهمية معرفة دوره في الحياة ورسالته على الأرض.
إن المعرفة والنباهة والوعي الذاتي يتجاوز العلم والفلسفة وكل ما عداهما. فالإنسان مهما تقدم واكتسب من المعارف فإنه لن يصل إلى حقيقة ذاته وصيرورته من دون النباهة، لأن النباهة كامنة في فكر الفرد وشعوره الداخلي لا في العلم والفلسفة، حيث تأتي هذه النباهة من الإيمان والعقيدة ومعرفة الإنسان لنفسه.
ولهذا فإن النباهة في نظر المؤلف نوعان: النباهة الفردية، والنباهة الاجتماعية التي تنبع من النباهة الفردية، وتتمثل في شعور الإنسان بالانتماء لأمته، وتحمله للمسؤولية الكاملة تجاه مجتمعه.
وعلى هذا الأساس فإن أي دعوة خارج حدو النباهة الفردية أو الاجتماعية هي دعوة وهمية باطلة همها الأول والأخير هو استغلال طاقة الإنسان فيما ليس فيه مصلحته ولا مصلحة المجتمع، بل بما يخدم مصالح أطراف أخرى. وهذه الأطراف هي التي أخذت تستحمرنا باسم العلم والمعرفة لنظن أنها تمنحها التقدم والتطور والحياة الحضارية الرغيدة، بيد أنها في واقع الأمر تمارس الاستحمار بوسائل غير مباشرة يجب أن نتنبه لها.
لهذا كله، فالاستحمار الذي بينه الكاتب هدفه تدمير النباهة بكل السبل الممكنة، مع اتخاذ العلم والمعرفة أداة تورية لإخفاء الأجندات الخبيثة تحت الطاولة فيصعب علينا اكتشافها والقضاء عليها. وهنا يبرز دور الفرد في إماطة اللثام عن الاستحمار غير المباشر على وجه الخصوص، والتصدي له عن طريق تعزيز النباهة الفردية والاجتماعية، مما سيسهم بشكل أكيد في نهضة المجتمع وتقدم الحضارة بشكل حقيقي يمجد الإنسان ودوره العظيم في الوجود، لا بصورة مزيفة يراد من ورائها استغلال الطاقات الفردية لمصالح جهات معينة.