لبنان في أحسن أحواله فتاتٌ في السوق العالمية. فرغم استنماطه الاستهلاك حتى الهلاك، لم تكن سوقه يوماً بين كبريات الأسواق. مع ذلك، يحوم انتهازيّو رأس المال فوقه لينتشوا جيفة مفلسة، كغيره من ضحايا الهيمنة الرأسمالية المعولمة. للانتهازية أدواتها الهرمية التي تتأكد من أن بلداً كلبنان لا يملك شيئاً، كما أفشى الوسيط الخبيث، من دون رضى رأس الهيمنة. ولاسترضاء الرأس المهيمن شروطه، وعلى رأسها تقاسمٌ للأرباح يعطي أصحاب الأرض والحق فتاتاً مقابل رهن مستقبل الأجيال لخزائن المركز الإمبريالي. في هذا السياق، لبنان ليس فريداً، إذ سبقته إلى الإفلاس، أو التفليس، بلادٌ وستلحقه بلادٌ أخرى. وفي كل حالة، ستحضر الأدوات المحلية التي تمهّد الأرض للجشع المهيمن، المتجدّد والمتمدّد، مقابل كمشة من الفضّة.
في لبنان، كما في العالم، صدأت بعض الأدوات القديمة للهيمنة ويتمّ استبدالها بأدوات حديثة تواكب العصر. فمضاربو الأوراق المالية الذين كانوا يمارسون جشعهم باللحم الحي استُبدلوا ببرمجيات رقمية تحلّل أرقاماً هائلة يعصى على العقل البشري تصوّرها. مثلاً، تدير حواسيب شركة «بلاك روك» استثمارات تفوق قيمتها العشرة تريليونات دولار، والتريليون هو مليونٌ من الملايين. هذه الشركة بالمناسبة استملكت جزءاً كبيراً من مستقبل لبنان من دون استئذانه، وسيضطرّ مفاوضو لبنان المتمرّسون الى الخضوع لشروط يفرضها عليهم أكبر الصناديق الانتهازية في العالم يوماً ما، لكن لم يحن وقت التفاوض معه بعد.
التفاوض اليوم هو على حقل غاز قد يسدّ ما في باطنه فاتورة من هنا، أو دَيناً من هناك. للهيمنة على ثروات النفط والغاز أدواتها المثبتة الفعالية حول العالم التي لم تكن موجودة في لبنان قبل اكتشاف ثروة محتملة في عمق بحره، ولذا وجب استحداثها. لهذه الأدوات لغتها ومصطلحاتها وشفافيتها وحوكمتها، فهذه طبيعة إدارة الموارد الطبيعية في عالم ينهش الطبيعة. قد يكون زمن مقاولي العقارات ولّى، تاركاً بلداً مفلساً معتماً لا يبدو جذاباً لأصحاب التريليونات، لكن الانتهازية الرأسمالية لا تفوّت ربحاً مهما صغر، وها هو زمن تجّار فتات الغاز يتجلّى.
المصدر: الاخبار