إما التسليم لحزب الله أو تنسيق المستقلّين والمعارضين والتغييريين


بعد نتائج جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه، بدأت تتفعّل اتصالات سياسية متشعبة بين النواب. ومنها تلك التي تجريها الأحزاب المعارضة لحزب الله، مع النواب المستقلين ونواب الثورة. وذلك للتشاور والتباحث في كيفية التنسيق بواقعية سياسية، لمنع حزب الله من تحقيق مزيد من الأرباح.

خيارات نواب الثورة

يتركز التنسيق على معركة اللجان النيابية. ففي حال غياب هذا التنسيق يستحوذ الحزب عينه مع حلفائه على رئاسات اللجان كلها. لا شك في أن تنسيق نواب الثورة مع بعض القوى السياسية، ولا سيما القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، قد يؤدي إلى اعتراضات شعبية أولًا، واعتراضات بعض النواب أنفسهم ثانيًا، أولئك الذين لا يريدون التفاهم أو التقاطع أو التنسيق مع نواب وكتل وقوى كانت مشاركة في السلطة.
هذا الاعتراض صحيح ووجيه مبدئيًا. لكن نواب الثورة يجدون أنفسهم أمام خيار من اثنين: العمل على التنسيق والتعاون مع قوى المعارضة لحزب الله، للوصول إلى تفاهمات معها. أو استمرارهم في الإصرار على عدم التنسيق. وبالتالي، تقسيم المجلس النيابي إلى كتل ثلاث: كتلة صلبة لحزب الله وحلفائه، قادرة في أي لحظة من الضغط على الآخرين لتحصل على 65 صوتاً. والكتلة الثانية تضم القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وبعض المستقلين. والثالثة كتلة نواب الثورة مع بعض التغييريين.

وفي حال تكريس هذه القسمة، بناءً على مبدأ رفض التنسيق أو تقاطع المصالح، يكون حزب الله هو الفائز الأكبر. خصوصًا إذا قرر نواب الثورة تقديم مرشحيهم بلا تفاهمهم مع الآخرين، فلا يقدرون على إيصال أي منهم، ويمنحون حزب الله والتيار العوني فرصة اكتساحهما غالبية المقاعد في الاستحقاقات كلها.

خطأ غسان سكاف 

على وقع الاتصالات الحاصلة في إطار تنسيق الخطوات، صدر موقف خاطئ عن النائب غسان سكاف، الذي كان مرشحًا لمنصب نائب رئيس المجلس النيابي. اعتبر سكاف أن نواب التغيير والثورة لم يمنحوه أصواتهم، وأن بعضهم منح صوته لبو صعب. قد يكون سكاف بنى موقفه على نقاشات جرت قبل يوم من موعد الانتخابات. لكن بعد تلك النقاشات منح نواب الثورة أصواتهم كاملة له، مسجلين بذلك تصرفهم بواقعية مع الاستحقاق.

أما من لم يمنح سكاف أصواتهم فهم من النواب المستقلين، أولئك الذين صوت بعضهم لبو صعب، نزولًا على حسابات مصلحية أو شخصية. لذا أخطأ سكاف في تحميل المسؤولية لنواب الثورة. وهذا ما أدى إلى تعرّض مسار التنسيق إلى نكسة.

معركة رئاسة الحكومة 

إلى جانب معركة اللجان، هناك معركة أخرى يجب التنبه لها والاستعداد لخوضها: معركة تسمية شخصية لرئاسة الحكومة. هنا أيضًا لا بد من التنسيق، بدلًا من المواقف الاستباقية.

ذلك أنه يمكن لقوى المعارضة والثورة والمستقلين، إذا اتفقت في ما بينها، أن تسمي شخصية ما لتولي تشكيل رئاسة الحكومة، غير الشخصية التي يريد حزب الله تكليفها، وتتقاطع عندها مصلحته مع حلفائه، وغير الرئيس نجيب ميقاتي في حال تكليفه مجددًا.

هنا تتضارب المواقف بين بعض القوى والمستقلين ونواب التغيير. فالحزب التقدمي الاشتراكي مثلًا، يوافق على ميقاتي، فيما القوات قد تعارضه وكذلك المعارضون الآخرون. لذا يكون ميقاتي رابحًا. أما في حال التنسيق والتوافق، فيمكن فرض مرشح آخر.

القوات والمستقلون ونواب الثورة يركزون على عدم المشاركة في أي حكومة مع حزب الله والتيار العوني مثلًا، أو مع قوى السلطة. وهنا -في حال عدم التوافق على فرض اسم جديد لرئاسة الحكومة- يضحي سمير جعجع بكتلته النيابية الكبيرة وتأثيرها السياسي. ويضحي الثوار أيضًا بمكتسباتهم. علمًا أنهم قادرون على فرض عدد من الوزراء. هذا، فيما جنبلاط يريد بالتأكيد المشاركة في هذه الحكومة، كي لا يتنازل عن المقاعد الدرزية للآخرين.

ضرورة التكتيك السياسي 

ليس هدف هذا العرض تعيين من هو على حق ومن هو على خطأ. ومفهوم أن هناك شعارات ومواقف سياسية لا بد من احترامها. وبالتالي، لا داعي لتقديم نواب الثورة تنازلات. ولكن يمكنهم ممارسة تكتيك سياسي لفرض ما يريدونه بالتنسيق مع الآخرين.

فمنطق التنازل في سبيل التنسيق لا ينطبق عليهم فقط، بل ينسحب على القوى التي شاركت بالسلطة. خصوصًا القوات والاشتراكي، فلا يمكنهما دومًا فرض ما يريدانه ويطالبان نواب الثورة والمستقلين بالسير معهم. هنا أيضًا يمكن لنواب التغيير والمستقلين التنسيق لفرض ما يريدونه، واستدراج القوات والاشتراكي إلى السير معهم. ولا بد للطرفين الأخيرين أيضًا من التنازل لصالح النواب الجدد والمستقلين لتقوية موقعهم وعدم إهداء الأرباح للآخرين.

المصدر: جريدة المدن الألكترونيّة

 

      النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

 

Exit mobile version