الانتخابات النيابية اللبنانية ودينامية العلاقة بين «حزب الله» والشيعة: التحديات والفرص والتداعيات السياسية
بواسطة حنين غدار, بشار حيدر, ديفيد شينكر
الانتخابات النيابية اللبنانية ودينامية العلاقة بين «حزب الله» والشيعة: التحديات والفرص والتداعيات السياسية
عشية الانتخابات اللبنانية، انضم خبيران لبنانيان إلى مسؤول أمريكي سابق لمناقشة احتمالات ازدياد حدة التصدع في صفوف القاعدة الشيعية لـ «حزب الله».
“في 12 أيار/ مايو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع حنين غدار، بشار حيدر، وديفيد شينكر. وغدار هي “زميلة فريدمان” في المعهد ومؤلفة كتابه الأخير “أرض “حزب الله”: رسم خرائط الضاحية والجماعة الشيعية في لبنان”. وحيدر هو أستاذ للفلسفة ورئيس كرسي “محمد عطا الله” للفلسفة الأخلاقية في “الجامعة الأمريكية” في بيروت. وشينكر هو “زميل أقدم في برنامج توب” في المعهد ومساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأدنى. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
حنين غدار
في علاقة »حزب الله« بالمجتمع الشيعي، غالباً ما يستعرض الحزب القوة والتمثيل اللتان لا يتمتع بهما بالضرورة. وفي حين يعتقد العديد من المراقبين في لبنان وخارجه أن المواطنين الشيعة في البلاد يدعمون الحزب بشكل عام، إلا أن شيعة لبنان يتمتعون في الواقع بالعديد من وجهات النظر المختلفة.
ومنذ سنوات بدأت تظهر تصدعات في مزاعم «حزب الله» بالقوة، والتمثيل الشيعي، ابتداءً من حرب عام 2006 ضد إسرائيل، حين أعلن الحزب “نصراً إلهياً” وأدرك الناس الثمن الباهظ الذي تعيّن عليهم دفعه في هذا الصراع. وفي عام 2007، استخدم «حزب الله» الأسلحة ضد الشعب اللبناني للمرة الأولى. وبعد بضع سنوات، تدخل الحزب في الحرب الأهلية السورية دعماً لنظام الأسد، وهو قرار أثار رد فعل عنيف واسع النطاق في الداخل اللبناني، حتى أنه أثّر على الشيعة من حيث تحويل مخصصات الميزانية والعزلة والخطاب الطائفي. وفي عام 2019، انتفض الشعب اللبناني في احتجاجات حاشدة ضد الطبقة الحاكمة، بما فيها «حزب الله»، وشهدت المناطق الشيعية العديد من التظاهرات أيضاً.
واليوم تتسنى أمام الولايات المتحدة فرص لاستغلال نقاط الضعف هذه في سلطة «حزب الله» وتمثيله، وذلك من خلال تعزيز الديمقراطية واللجوء إلى الدبلوماسية واعتماد سياسة خارجية شاملة تجاه لبنان، بشكل أساسي. وعند بذل مثل هذه الجهود، ينبغي على المسؤولين أن يضعوا في اعتبارهم أن القوة المحلية للحزب تقوم على ثلاث ركائز يتصدع كل منها بدرجة معينة:
1. الدعم المسيحي: يعتمد «حزب الله» على أحزاب معينة غير شيعية لدعم أجندته في مجلس النواب، لكن حليفه المسيحي الرئيسي، جبران باسيل من «التيار الوطني الحر»، بدأ يفقد الدعم منذ عام 2019. [ملاحظة المحرر: للحصول على تفاصيل كاملة عن أداء حزب باسيل والأحزاب الأخرى في انتخابات 15 أيار/مايو التي جرت بعد عقد هذا المنتدى، راجع المرصد السياسي 3612].
2. التهديد باستخدام القوة المسلحة: يبدو أن »حزب الله« يدرك أنه في الوقت الحالي، غالباً ما يكون تهديد سلاحه أكثر فعالية من السلاح بحد ذاته. وبمجرد أن يستخدم سلاحه العسكري في الخارج، سوف يخسره بشكل أساسي، لأن إيران ستواجه صعوبة كبيرة في إعادة تموين ترسانته إذا اندلع صراع آخر واسع النطاق على المدى القريب. ولهذا السبب، يسهل على »حزب الله« استخدام الأسلحة الصغيرة محلياً بدلاً من استخدام الصواريخ والقذائف ضد إسرائيل. ولكن حتى القوات المسلحة المحلية التابعة للحزب تعاني [من صعوبات]. فخلال الحرب السورية، اضطر »حزب الله« إلى خفض المعايير التي كان يعتمدها لمقاتليه من أجل تجنيد المزيد من الأشخاص. وفي حين تُعتبر عناصره الجديدة أكثر طائفية، إلّا أنها أقل تديناً وأقل تمسكاً بالإيديولوجية وأقل انضباطاً أيضاً.
3. الطائفة الشيعية: كما هو مذكور في كتاب “أرض «حزب الله»” أو “حزب الله لاند”، تزداد قاعدة الحزب الشيعية الأساسية انقساماً وجرأة في التكلم بصراحة. وفي حين لا تزال هذه القاعدة أكثر ثباتاً من الركيزتيْن السابقتيْن، إلا أن هناك احتمالية لحدوث تصدعات أكثر خطورة.
يعتمد «حزب الله» على الخدمات الاجتماعية التي يقدمها، وعلى إيديولوجية “المقاومة” الخاصة به، وهويته الشيعية من أجل الحفاظ على قاعدة دعمه الشيعية. وكل واحد من هذه العوامل مرتبط ومستوحى من “ولاية الفقيه”، وهي العقيدة التي تمنح السلطة للمرشد الأعلى الإيراني. ومع ذلك، كانت ميزانية «حزب الله» محدودة بشكل متزايد منذ أن تعرضت إيران لضغوط اقتصادية بسبب تشديد العقوبات الدولية. لذلك، حدّ الحزب من بعض خدماته وركّز بصورة أكثر على تلبية احتياجات أعضائه والنخب الأخرى التابعة له على حساب المجتمع الشيعي ككل. كما سعى إلى التعويض عن التمويل الإيراني الذي خسره من خلال تكثيف عمليات تهريب الكبتاغون وتهريب البضائع وسحب الإيرادات من خزينة الحكومة اللبنانية.
وما ساهم أيضاً في تشويه صورة الحزب هو تهديداته للقاضي الذي يحقق في انفجار مرفأ بيروت الذي وقع عام 2020، فضلاً عن الاشتباكات التي تسبب بها خلال تظاهرات العام الماضي في منطقة الطيونة في الضاحية الجنوبية لبيروت. فقد أقنعت هذه الأعمال الكثيرين بأن «حزب الله» متورط في الانفجار.
وفي ضوء هذه التطورات والاحتجاجات الجماهيرية التي سبقتها عام 2019، يبدو واضحاً أن العديد من الشيعة يتطلعون إلى ما يتخطى «حزب الله» بحثاً عن هوية لبنانية أوسع نطاقاً. واليوم، يرى عدد أكبر من الناس أن الحزب ليس سلطة وطنية شرعية، بل عصابة مخدرات بلطجية تسرق الموارد من الشعب وتعرقل العدالة. وحتى أن البعض يرى أن الحزب هو فعلياً جزء من «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني وليس مجرد منظمة مستقلة مدعومة من إيران.
وفيما يتعلق بانتخابات 15 أيار/مايو، سيفوز لبنان بنصر رمزي إذا خسر «حزب الله» الأغلبية في البرلمان. والعامل الرئيسي هو التصويت المسيحي – فقد يفقد الحزب دعمه المسيحي، وبالتالي، زعمه أنه أكثر من مجرد منظمة شيعية. كما سيكون أداء الأحزاب السنية مهماً نظراً لعدم ترشح رئيس الوزراء السابق سعد الحريري وحزبه في هذه الانتخابات.
بشار حيدر
على الرغم من أنه من المؤكد وجود انقسام داخل المجتمع الشيعي، إلّا أنه من المهم عدم المبالغة في التفاؤل بشأنه. وستوفر نتائج التصويت الشيعي في انتخابات 15 أيار/مايو اختباراً جيداً لهذا الانقسام. وفيما يتعلق بنظرة الشعب إلى «حزب الله»، أصبحت قضية مقاومة إسرائيل بالدرجة الثانية، ولا تُعتبر الخدمات الاجتماعية للحزب مهمةً للدعم الشيعي بقدر ما يظنّه الناس. ولا يزال الكثير من الشيعة يعتمدون على الدولة حتى لو كانوا يتلقون الخدمات من «حزب الله»، لذلك فإن تقديم خدمات بديلة قد لا يحظى بدعم كبير من الحزب.
وتبقى الحقيقة أن العديد من الشيعة يدعمون «حزب الله» لأنه يقوّي مجتمعهم داخل الدولة ويمنحهم امتيازات لا يتمتع بها الآخرون. وعلى الرغم من أنهم لا يتماهون بالضرورة مع الجانب الإيراني من هوية «حزب الله»، إلا أنهم ما زالوا يتمتعون بالقوة التي تمنحهم إياها. والأهم من ذلك، يخشى العديد من الشيعة من أن يكون استخدام «حزب الله» للعنف قد ورّط مجتمعهم بأكمله في نظر اللبنانيين الآخرين. وإذا أصبح الحزب أكثر ضعفاً، يعتقد البعض أن المجتمعات الأخرى ستسعى للانتقام من أعضائه وتسلبهم المزايا التي اكتسبوها على مر السنين.
أما بالنسبة للانتخابات النيابية، فيخشى «حزب الله» من أن يفقد دعمه المسيحي ويعتمد بالتالي على أصوات السُنة المشتتين. لذلك، من المهم عزل المسيحيين عن «حزب الله» انطلاقاً من الواقع بأنهم يرون أنفسهم ضحايا له.
ديفيد شينكر
يوفر الاستياء الشيعي المتزايد من «حزب الله» بعض الفرص لصانعي السياسة الأمريكيين. فقد اتخذت الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب عدة خطوات ضد «حزب الله»، مثل حرمانه من التمويل من خلال ممارسة سياسة الضغط الأقصى على إيران، وفرض عقوبات على مؤسساته المالية، وإدراج مسؤولين لبنانيين فاسدين (بعضهم متحالفين مع «حزب الله»)، على قائمة الإرهاب، ودعم المجتمع المدني الشيعي عموماً، والعمل مع رجال الأعمال الشيعة لتعزيز الفرص الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الميليشيات.
غير أن إدارة بايدن تركز بصورة أكثر على المفاوضات النووية الإيرانية، وبالتالي كان تعاطيها مع طهران أكثر استرضائياً. وفي حال تم التوصل إلى اتفاق نووي، يعتقد «حزب الله» أن تمويله الإيراني سيعود إلى مستوياته السابقة.
ولطالما ركّزت سياسة الإدارات الأمريكية المختلفة على تقديم الدعم الإنساني للشعب وتمويل الجيش اللبناني. وعلى الرغم من أن المساعدة التي تقدمها واشنطن لهذا الجيش اللبناني لا تؤثر في سلوك «حزب الله» المخلّ بالاستقرار، إلا أنها أصبحت مع ذلك مبادرة ثابتة في سياستها تجاه لبنان. وفي المقابل، يتطلب التأثير بشكل جدي في مسار البلاد أن تتصدى الحكومة الأمريكية لـ «حزب الله» بجهود أكثر تنسيقاً، سواء داخل لبنان أو من خلال ممارسة الضغط الاقتصادي على راعيه الإيراني.
ومن غير المرجح أن تُحدث الانتخابات المرتقبة في 15 أيار/مايو تغييراً جذرياً لأن «حزب الله» لا يحترم الانتخابات. كما أن الانقسامات داخل المعارضة شديدة، مما يحد من قدرتها على الفوز بعدد أكبر من المقاعد داخل مجلس النواب. وعلى الرغم من الغضب الشعبي تجاه النخب السياسية في لبنان، فمن شأن الأزمة الاقتصادية أن تؤجج المشاعر الطائفية في صناديق الاقتراع. أضف إلى ذلك أن اعتزال سعد الحريري الحياة السياسية خلّف فجوةً في القيادة السنية. وفي حين تقوم السياسة اللبنانية على الشخصيات الكبيرة، إلّا أن الطائفة السنية تفتقر حالياً إلى بديل عن الحريري. وفي نهاية المطاف، لا يزال النظام السياسي في البلاد معطلاً، ومن المرجح أنّ يؤدي سجل «حزب الله» في استخدام العنف لضمان هيمنته إلى الحد من نطاق أي تحول قد تشهده السياسة اللبنانية بعد الانتخابات.
أعد هذا الملخص أليكس شاناهان.