هآرتس”، 10/5/2022
عاموس هرئيل – محلل عسكري
- لا يمكن فحص نتائج عملية “حارس الأسوار” اليوم، بعد مرور عام على بدئها، من دون ملاحظة الواقع الأمني في الأسابيع الأخيرة. هناك صلة واضحة بين الفترتين. جولة القتال الأخيرة في الجنوب خلّفت وراءها فترة هدوء طويلة نسبياً في غلاف غزة، وبعدها بدأ استثمار اقتصادي استثنائي في البنى التحتية المدمرة في القطاع.
- لكن موجة “الإرهاب” الحالية في إسرائيل والضفة الغربية، مع تشجيع فعال من زعامة “حماس” في غزة، تدل على أن الوضع لم يتغير بصورة كبيرة. في نهاية الأمر، ستُذكر عملية “حارس الأسوار”، عموماً، كجولةٍ لتعادُلٍ مؤسف آخر في سلسلة جولات مستمرة، وربما لا نهاية لها.
- بدأت جولة القتال الأخيرة في غزة في القدس. احتكاك لا ضرورة له بين الشرطة والشباب العرب في بوابة نابلس في الحرم القدسي، منح يحيى السنوار فرصة في صبّ الزيت على النار. وعندما ناقضت “حماس” توقعات الاستخبارات الإسرائيلية وأطلقت ستة صواريخ على القدس، ردت الحكومة الانتقالية برئاسة بنيامين نتنياهو وبني غانتس بعنف.
- استمر تبادُل إطلاق النار 12 يوماً، أُطلقت خلالها آلاف الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية، وقصف سلاح الجو الإسرائيلي آلاف الأهداف في القطاع. وحتى بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار، بوساطة مصرية، لم يتغير الكثير، باستثناء القتل والدمار الذي لحق بالطرفين، على الرغم من أن حجمهما كان ضئيلاً، مقارنة بالجولة السابقة، أي عملية “الجرف الصامد” في سنة 2014.
- الإنجازات التي سجلها كل طرف لنفسه كانت علاقتها ضعيفة بالقصف المتبادل. كما ذكرنا مؤخراً، السنوار حاول ونجح في كسر سياسة التمييز بين قطاع غزة والضفة الغربية، والتي انتهجتها حكومة نتنياهو. والصواريخ التي أُطلقت على القدس أعطت الإشارة لمواجهات عنيفة بين العرب واليهود داخل حدود الخط الأخضر، وزادت في التأييد لـ “حماس” وسط العرب في إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية. الإنجاز الثاني كان بقاء السنوار في قيد الحياة، وصمود حركته في نهاية جولة القتال.
- صورة السنوار التي انتشرت بعد وقف إطلاق النار، جالساً على كرسيه في مكتبه المدمر، كانت ممتلئة برسائل استفزازية: ما تفعله إسرائيل لن يغير شيئاً، و”حماس” مستعدة لمواصلة النضال. هذه كانت السردية التي التقطها الجمهور الفلسطيني، وإلى حد ما، الجمهور الإسرائيلي أيضاً.
- وفي الواقع، إنجازات “حماس” العسكرية كانت ضئيلة. فأغلبية الخسائر في إسرائيل نجمت عن إطلاق الصواريخ، وقسم منها نجح في تعطيل الحياة عدة أيام في وسط البلد. المحاولات الفلسطينية لتسلّل مهاجمين إلى الأراضي الإسرائيلية من الأنفاق، والهجمات بواسطة المسيّرات والطائرات من دون طيار، وإرسال الغواصين للقيام بهجمات على الساحل الجنوبي، جرى إحباطها كلها من دون وقوع أضرار. في المقابل، النجاحات الإسرائيلية كانت محدودة، مقارنة بالرواية التي يحاول الجيش تسويقها.
- صحيح أن ضرراً كبيراً لحق بمنظومة الأبحاث والتطوير لدى “حماس”، وأُصيب عدد كبير من كبار مسؤوليها، ودُمرت أنفاق هجومية ودفاعية، وتبدد شعور زعماء الحركة بالثقة بالشبكة التي حفروها تحت الأرض، لكن الموضوع انتهى عند هذا الحد. مسألة عملية الهجوم على “المترو”، أي شبكة الأنفاق التي قُتل فيها في النهاية عدد محدود من الفلسطينيين، لا تزال مفتوحة ومشحونة. وبينما لا يزال رئيس الأركان مُصراً على أن العملية كانت إنجازاً كبيراً، يرى كثيرون في القيادة الأمنية أن قصف الأنفاق تسبب بخسارة رصيد استخباراتي وأدى إلى نتيجة محدودة.
تهدئة محدودة
- بعد أكثر من عام، لا يزال وضع إسرائيل في مواجهة “حماس” مقلقاً جداً. حكومة بينت -لبيد تخلت عن الأسلوب المستهجَن لنقل الدولارات في الحقائب إلى السلطة في غزة. الآلية البديلة التي وُضعت، تعتمد على تحويل الأموال بواسطة المصارف، وهو ما يسمح على الأقل برقابة خارجية معينة للأهداف التي يتم تحويل الأموال إليها. في المقابل، أقرّت الحكومة خطوة غير مسبوقة-الموافقة على دخول 12 ألف عامل وتاجر (ومستقبلاً 20 ألفاً) من قطاع غزة للعمل في إسرائيل. جرى هذا في موازاة عملية سريعة لتدفُّق الأموال والاستثمار في البنى التحتية المتعثرة.
- لكن إسرائيل فشلت في مساعيها للتوصل إلى أكثر من ذلك. أولاً، اكتفت “حماس” بعملية التهدئة المحدودة وامتنعت من التوصل إلى حل لمشكلة الأسرى والمفقودين الذين تحتفظ بهم. ثانياً، واصلت الحركة التحريض على الأعمال “الإرهابية” في الضفة وداخل إسرائيل، مثلما يحدث منذ بداية موجة “الإرهاب” الحالية التي بدأت قبل 7 أسابيع.
- اضطرت إسرائيل إلى الرد على ذلك هذا الأسبوع بوقف دخول العمال من غزة-سياسة التمييز فشلت فشلاً ذريعاً. ليس من الممكن التعامل مع غزة كساحة منفصلة والأمل بألّا تواصل “حماس” التدخل فيما يحدث في الضفة. على عكس ذلك، لـ”حماس” مصلحة مزدوجة كي تفعل ذلك: من أجل المحافظة على نار النضال في إسرائيل، وأيضاً بهدف إحراج السلطة الفلسطينية في رام الله وتقويض سيطرتها على الأرض.
- هذه ليست انتفاضة جماهيرية، لكن يكفي وقوع هجوم فتاك مرة واحدة كل عدة أيام لتقويض الشعور بالأمن الشخصي في الجبهة الداخلية الإسرائيلية-وبالنسبة إلى “حماس”، فإنها تعتبر ذلك نجاحاً كبيراً. من هنا يأتي الحرج في إسرائيل التي لم تنجح في ردع “حماس” عن التحريض عن بُعد، من خلال خطابات مسؤوليها الرفيعي المستوى، وبواسطة شبكات التواصل الاجتماعي، وهكذا وُلدت اقتراحات حلول سحرية، مثل اغتيال السنوار.
لجم الموجة
- في بيانات الجيش إلى وسائل الإعلام، وأيضاً في الاستشارات الأمنية، تمسّك الجيش الإسرائيلي بخط وحيد تضمّن حجتين: لا تزال “حماس” مرتدعة بعد الضربة التي تلقّتها في “حارس الأسوار”، والعلاقة بينها وبين موجة الهجمات الحالية هي علاقة غير مباشرة. وفي الواقع، يبدو أن الحاجة إلى الدفاع عن إنجازات العملية الأخيرة تطمس القدرة على تحليل الواقع الحالي، وهذا ما انتبه إليه المستوى السياسي أيضاً.
- صحيح أن “حماس” تحاول في جميع الحالات استغلال الهجمات بواسطة “تبنّي” عائلات المهاجمين لاحقاً، لكن لا يمكن تجاهُل الجهد الكبير الذي توظفه الحركة في التحريض-الذي وصل إلى ذروته في “خطاب البلطات” الذي ألقاه السنوار في الأسبوع الماضي، قبل أيام من الهجوم بالبلطات في إلعاد. العديد من المهاجمين استفزته التقارير الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن محاولة إسرائيلية للسيطرة على الحرم القدسي. خط تدفع به “حماس” بكل قوة. التعليق الأخير الذي نشره أحد المهاجمين في إلعاد على وسائل التواصل تطرّق إلى محمد ضيف (من كبار المسؤولين في “حماس” في غزة).
- الوضع السياسي للحكومة سيئ للغاية: الائتلاف يصمد بصعوبة، والقلق وسط الجمهور يتصاعد، على خلفية موجة الهجمات، كما أن الخطوات الهجومية الشديدة على الساحة الفلسطينية يمكن أن تدفع القائمة العربية الموحدة (راعام) إلى الخروج من الائتلاف وإسقاط الحكومة. لكن إحباط رئيس الحكومة نفتالي بينت ليس ناجماً عن ذلك فقط. عملياً، منذ بدء الهجمات، يوحي الجيش أن في إمكان الخطوات الحالية-تكثيف القوات على خط التماس، والاعتقالات في شمال الضفة الغربية، والعقوبات الجماعية في القطاع-لجْم الموجة.
- حتى الآن، يواجه الجيش صعوبة في تقديم أفكار خلّاقة لمواجهة الأزمة التي يبدو أنها ستستمر. الأمل بأن العنف سيخبو من تلقاء نفسه مع نهاية شهر رمضان تبدد في هذه الأثناء. وخلال الشهر الحالي، تنتظرنا تواريخ حساسة: ذكرى النكبة ويوم القدس (ومعهما مسيرة الأعلام لحركات اليمين في المدينة القديمة).
- في الخلفية، هناك عدم الرغبة المفهومة لرئيس الأركان في التورط في حرب لا ضرورة لها، وعلى ما يبدو، التخوف أيضاً من أن حكومة مأزومة سيكون من الصعب عليها إدارة قتال وقتاً طويلاً. لكن كلما استمرت الأزمة، كلما برزت الفجوة بين الطريقة التي يرى فيها بينت الأمور والطريقة التي يراها وزير الدفاع وكبار المسؤولين في الجيش. استمرار الهجمات يمكن أن يفاقم الخلاف، بحيث ينزلق إلى الخارج ويتحول إلى جدل عام.