اتفاق أطول زمناً وأقوى تأثيراً للأردن
بواسطة بين فيشمان
٢٨ أبريل ٢٠٢٢
متوفر أيضًا باللغات:
English
Biden, Jordan’s King Abdullah, Crown Prince Hussein
عن المؤلفين
Ben Fishman
بين فيشمان
بين فيشمان، هو مساعد باحث سابق في معهد واشنطن.
تحليل موجز
لا يمكن للأردن أن ينتقل من مرحلة الأزمة التي يمر بها حالياً إلى فترة من النمو الاقتصادي المستدام إلا إذا تلقى المزيد من المساعدات خلال الفترة المقبلة.
خلال السنة المالية الجارية، سينتهي العمل بـ “مذكرة التفاهم” الحالية بين الولايات المتحدة والأردن، والمفاوضات مستمرة للتوصّل إلى نسخة محدثة منها. وبينما تتواصل المحادثات، على واشنطن التأكيد على الشراكة من خلال الاستمرار في التعهد بتقديم مساعدات تتناسب مع دور المملكة في الحفاظ على الاستقرار في منطقة دائمة الخطورة. وفي الوقت نفسه، على الولايات المتحدة أن تطلب من الأردن إظهار التزامه المستمر بالإصلاحات الأساسية.
مساعدة ثنائية بالأرقام
تدعم الولايات المتحدة الأردن باعتباره حليفاً قديماً في منطقة صعبة يتشارك فيها حدوده مع منطقة حرب نشطة في سوريا، ومع العراق غير المستقر بشكل دائم، بينما يشكل أيضاً عنصراً رئيسياً في أمن إسرائيل. وبالتالي، من مصلحة الولايات المتحدة الحفاظ على الاستقرار في المملكة الهاشمية – التي تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري يمثلون حوالي 15 في المائة من سكان الأردن. وصحيح أن تكلفة المساعدة الأمريكية المقدمة إلى الأردن بالدولار مرتفعة نسبياً، إلا أن المزايا تنطوي على شراكة وثيقة في القضايا الأمنية والسياسية.
وتعهدت “مذكرة التفاهم” السابقة التي جرى توقيعها في عهد الرئيس دونالد ترامب بتخصيص 6.375 مليار دولار على مدى خمس سنوات، أو 1.275 مليار دولار سنوياً، في إشارة ملحوظة لدعم الإدارة الأمريكية للأردن وسط تخفيضاتها للمساعدات الأجنبية التي تقدمها إلى دول أخرى حول العالم. وكانت اتفاقية السنوات المالية 2018-2022 ثالث “مذكرة تفاهم” بين الولايات المتحدة والأردن، علماً أن المذكرتين السابقتين غطتا السنوات المالية 2009-2014 و 2015-2017. وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقيات غير ملزمة قانوناً، إلا أنها أرست ركيزة قوية للدعم الأساسي وسمحت للأردن بالتخطيط لجزء من ميزانيته الذي يعتمد على المساعدات الخارجية. وفي كل عام من السنوات الخمس الماضية، تجاوز إجمالي المساعدات الأمريكية للأردن 1.5 مليار دولار، بما يزيد عن الهدف المحدد في “مذكرة التفاهم” الثالثة بمقدار 200 مليون دولار سنوياً على الأقل.
وفي سياق ذلك، يُعتبر الأردن ثاني أكبر متلقِ للمساعدات الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد إسرائيل، بعد أن تخطى مصر في السنة المالية 2018 والعراق في السنة المالية 2013. وتتلقى إسرائيل حوالي 3 مليارات دولار سنوياً كمساعدات عسكرية. واعتباراً من السنة المالية 2021، كان الأردن ثالث أكبر دولة تتلقى مساعدات أمريكية في العالم بعد أفغانستان وإسرائيل. وسيؤدي التحوّل الأخير في سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بأفغانستان وبداية الأزمة الأوكرانية إلى تغيير هذا الترتيب في عاميْ 2022 و 2023.
وعند توقيع “مذكرة التفاهم” الأولى مع الأردن، قدّمت الولايات المتحدة مبالغ متساوية للمساعدات الاقتصادية والعسكرية، ولكن هذا التوازن لم يعد قائماً اليوم إذ يفوق المبلغ المخصص للاقتصاد أربعة أضعاف قيمة المساعدات العسكرية، حيث نمت الاحتياجات الاقتصادية للمملكة بينما بقيت متطلبات المشتريات للقوات المسلحة الأردنية مستقرة – على الرغم من أن التطويرات المطلوبة لأسطولها من طائرات “أف-16” سيتطلب تمويلاً إضافياً. وخلال الفترة نفسها، ازداد إجمالي المساعدات الأمريكية إلى الأردن بأكثر من الضعف، وارتفعت قيمتها من 776 مليون دولار في عام 2012 إلى 1.65 مليار في عام 2021. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت غالبية المساعدات الاقتصادية مخصصة مباشرة لدعم الميزانية الأردنية. وقدمت الولايات المتحدة منحاً للميزانية بلغ مجموعها 745 مليون دولار في عاميْ 2019 و 2020، و 845 دولاراً في عام 2021، وخصصت المبلغ نفسه في مشروع قانون الاعتمادات المالية الذي أُقر في آذار/مارس من العام الحالي. (وخصصت النسخة الأصلية لمجلس الشيوخ الأمريكي من تشريع الاعتمادات، 400 مليون دولار من إجمالي حزمة المساعدات لتحفيز الإصلاحات الاقتصادية المستمرة، ولكن تم حذف هذه النص في مشروع القانون الشامل).
ويُعتبر ذكر مبلغ الدعم المباشر للميزانية في الاعتمادات دليلاً على الدعم القوي للأردن من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأمريكي. فنادراً ما تقدّم الولايات المتحدة مثل هذا التمويل لأي دولة، ولا تقترب قيمته من مبلغ 845 مليون دولار على الإطلاق. وناهيك عن المساعدات المباشرة المخصصة للميزانية والجيش، يتلقى الأردن تمويلاً أمريكياً آخر لمشاريع التنمية الاقتصادية والحوكمة، وأمن الحدود، والاحتياجات المحدودة النطاق.
الاحتياجات الاقتصادية
لطالما اعتمد الأردن على الدعم الخارجي، الذي يشمل المساعدات الاقتصادية، نظراً لافتقاره للموارد الطبيعية الكافية من المياه والطاقة – على الرغم من التزايد السريع لإنتاجه من الطاقة الشمسية. ولم تقتصر انتفاضات “الربيع العربي” عام 2011 على اضطرار عمّان إلى الاستجابة لذلك عبر تخصيص مبالغ أكبر للنفقات الاجتماعية، وهو ما لا تستطيع تحمله فحسب، بل تزامنت تلك الانتفاضات أيضاً مع قطع مصر لإمداداتها من الغاز المدعوم بسبب الهجمات على خط الأنابيب. وأرغم ذلك الأردن على شراء مواد هيدروكربونية أغلى ثمناً وأدى بالتالي إلى زيادة ديون “شركة الكهرباء الوطنية”.
فضلاً عن ذلك، استضافت المملكة أكثر من مليون لاجئ سوري خارج المخيمات الخاضعة لإشراف الأمم المتحدة، وسبّب ذلك صعوبات في تمويل قطاع الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية. وتنافس اللاجئون مع الأردنيين على الوظائف أيضاً. وزادت جميع هذه العوامل من الضغط على الميزانية العامة للبلاد ولم يتم تغطيتها بالتمويل الأمريكي المنفصل المخصص لـ “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”. وفي البداية، استجاب حلفاء الأردن الخليجيون بتقديم الأموال لدعم ميزانية المملكة، إلّا أن التوترات السياسية مع السعودية تسببت بوقف التمويل في النهاية. وقد أدى ذلك إلى تدخل الولايات المتحدة، وهو ما يفسّر جزئياً توسيع نطاق “مذكرات التفاهم” والدعم المباشر للميزانية. ولجأ الأردن أيضاً إلى “صندوق النقد الدولي” للحصول على المساعدة وتلقّى ثلاثة قروض بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 4 مليارات دولار بموجب ثلاث اتفاقيات على مدى العقد الماضي، بالإضافة إلى 400 مليون دولار أخرى كإغاثة في حالة الطوارئ خلال تفشي وباء فيروس كورونا (“كوفيد-19”) في عام 2020.
وقد وجه “صندوق النقد الدولي” الإصلاحات الاقتصادية في الأردن، حيث ركز أولاً على خفض ديون “شركة الكهرباء الوطنية” من خلال تقليص الدعم الحكومي المكلف للوقود – وهو إجراء لا يحظى بشعبية كبيرة. وشملت خطوات لاحقة زيادة تحصيل الضرائب وإصلاحها وخفض رواتب موظفي القطاع العام التي لطالما كانت مرتفعة، وساهمت تقليدياً في دعم سكان الضفة الشرقية للنظام الملكي. ويهدف “مرفق الصندوق الموسع” الحالي التابع لـ “صندوق النقد الدولي” إلى المساعدة على خفض البطالة في أوساط الشباب والنساء، وتحسين مناخ الاستثمار لتحفيز نمو القطاع الخاص، وتنفيذ إصلاحات تعرفة الكهرباء المخصصة للشركات، مما سيقلص نفقات القطاع الخاص. وستساهم زيادة الدعم الأمريكي في توسيع نطاق هذه الإصلاحات وتعزيزها.
ومع ذلك، لا يزال الأردن في وضع اقتصادي مليء بالتحديات. فاعتباراً من الربع الثالث من عام 2021، بلغ معدل البطالة الرسمي 23.2 في المائة، وفاقت بطالة الشباب نسبة 50 في المائة وبقي تمثيل النساء في القوى العاملة من بين أدنى المعدلات في العالم. وعلى غرار سائر المنطقة، سجل الأردن نمواً سلبياً في عام 2021 بسبب وباء فيروس كورونا (“كوفيد-19”)، مما أدى إلى تفاقم البطالة الحالية، ولا سيما في القطاعات التي تدر إيرادات مثل السياحة والتحويلات المالية. وسيصل العجز هذا العام، الذي يستمر في التضخم، إلى أكثر من 110 في المائة من “الناتج المحلي الإجمالي” نتيجة قيمة الاقتراض الكبيرة محلياً ودولياً على مدى العقد الماضي.
وتشمل ميزانية الأردن لعام 2022 البالغة 15 مليار دولار، 2.18 مليار للاستثمارات الرأسمالية التي تهدف إلى توسيع النمو، منها 477 مليون دولار مخصصة لمشاريع جديدة. ومع ذلك، من غير المرجح أن يساهم برنامج الاستثمار في توفير فرص عمل كثيرة، لأن هذه الاستثمارات والبرامج مقسمة عبر مجموعة متنوعة من القطاعات والعديد منها يركز على توسيع الخدمات. ووضعت عمّان بعض الخطط لزيادة فرص العمل، على غرار “برنامج التوظيف الوطني” المدعوم من “البنك الدولي”، والذي يرمي إلى استحداث 60 ألف وظيفة في القطاع الخاص وتوفير تدريب على العمل لمدة ستة أشهر، مع قيام أرباب العمل بتغطية الأشهر الستة المتبقية. كذلك، تعمل الحكومة حالياً على سن تشريع جديد لتوحيد قوانين الاستثمار، بهدف تحسين مناخ الأعمال.
“مذكرة تفاهم” رابعة
يجدر بالذكر إن التساؤلات المحيطة بـ “مذكرة التفاهم” الرابعة لا تتعلق بحجم المساعدة وأمدها فحسب، ولكن أيضاً بما إذا كان ينبغي أن تكون المساعدة مشروطة بإصلاحات اقتصادية أو سياسية بالنظر إلى حجم المساعدة الأمريكية. (في عام 2021، قدمت الولايات المتحدة 84 في المائة من جميع منح الميزانية للأردن).
وتتضمن الميزانية المقترحة من قِبل إدارة بايدن للسنة المالية 2023 تخصيص 1.45 مليار دولار للأردن، وهو رقم يعكس رؤيتها لأساس “مذكرة التفاهم”. ومع ذلك، منح الكونغرس للمملكة الهاشمية مساعدات بقيمة 1.65 مليار دولار في كل من العامين الماضيين. ونظراً إلى الدعم المقدّم من الكونغرس واحتياجات الأردن، يجب أن تهدف “مذكرة التفاهم” إلى تزويد المملكة بمبلغ 1.75 مليار دولار لكل عام من السنوات الأربع المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، وفي بانتظار مراجعة الاحتياجات والتقدّم المحرز في الإصلاحات، يمكن زيادة هذا المبلغ إلى 2 مليار دولار سنوياً على مدى السنوات الثلاث التالية، على أن يبلغ الحدّ الأقصى للمبالغ الممنوحة 13 مليار دولار على مدى سبع سنوات، مما يؤدي أساساً إلى إنشاء صندوق حوافز بقيمة 750 مليون دولار خلال السنوات المالية 2027-2029. ونظرياً، من شأن هذا المستوى من الدعم أن يساعد الأردن على الانتقال من نمط إدارة الأزمة، على حد تعبير وزير المالية محمد العسعس، إلى مرحلة من النمو المستدام والكفاءة الحكومية المتنامية، على أن يتمثل الهدف في تقليص حاجة البلاد إلى المساعدات الخارجية الأمريكية في العقد التالي.
على الولايات المتحدة الضغط على شركائها لتقديم التزامات أكبر للأردن، على غرار اتفاق الطاقة الشمسية مقابل المياه الموقع مؤخراً مع إسرائيل بدعم من الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب مشاريع أخرى مرتبطة بـ “اتفاقيات إبراهيم” التي يمكن أن تنطوي على استثمارات في المملكة. وبالمثل، على واشنطن أن تواصل تشجيع إسرائيل على تعزيز الفرص الاقتصادية في الأردن، كاتفاق التجارة الموسّع بين عمّان والضفة الغربية الخاضعة لإدارة فلسطينية – ما أن تنحسر التوترات الأخيرة بشأن القدس.
في المقابل، على المسؤولين الأمريكيين تشجيع الأردن بشكل كبير على تنفيذ “برنامج الأولويات الاقتصادية”، والذي يُلزم المملكة بتحسين بيئة أعمالها وتعزيز برامج وعمليات تمويل ضرورية لاستحداث فرص العمل. ويُعتبر تطبيق الإصلاحات الضرورية في قطاعيْ الكهرباء والمياه اللذين تديرهما الدولة أساسياً أيضاً.
ومع طي الأردن صفحة الوباء، وعودته إلى تسجيل نمو اقتصادي إيجابي، وتنفيذه الإصلاحات القائمة في إطار برنامج “صندوق النقد الدولي” المخصص للمملكة، يمكن للولايات المتحدة النظر في تقليص حجم المساعدة التي تدعم بها ميزانية الأردن، لا سيما في وقت تدخل فيه “مذكرة تفاهم” جديدة طويلة الأمد سنواتها الأخيرة. وتشكل منح الميزانية الممنوحة من الولايات المتحدة حالياً ما يقرب من 10 في المائة من إجمالي الإيرادات الأردنية.
وعلى الصعيد السياسي، على واشنطن أن تواصل الضغط على عمّان لتخفيف القيود التي تفرضها على حرية التعبير والصحافة. ومن بين دواعي القلق الأخرى، لا تؤدي هذه القيود إلى مناخ استثماري سليم. وكانت “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية” في الأردن، برئاسة رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي، قد أوصت باتخاذ عدة إجراءات طويلة الأمد للإصلاحات البرلمانية وتطوير الأحزاب السياسية. ومع ذلك، على الولايات المتحدة النظر في هذه التوصيات بشكل منفصل، نظراً لأن القضايا المرتبطة بها لها جداول زمنية خاصة بها ويجب أن تواكب التغييرات السياسية الأوسع نطاقاً، مسترشدة بالهدف المعلن للعاهل الأردني الملك عبدالله، المتمثل في تحويل الأردن إلى دولة ديمقراطية دستورية في غضون عقد من الزمن. ومن شأن معونة اقتصادية مستدامة وموثوقة أن تساعد البلاد على تحقيق هذا الهدف السياسي.
بين فيشمان هو زميل أقدم في “برنامج السياسة العربية” في معهد واشنطن وشغل منصب المدير لشؤون شمال إفريقيا في “مجلس الأمن القومي” الأمريكي في الفترة 2012-2013.