إنتخابات المغتربين: 3 أجيال من أصل 4 تنتخب
تتجه الانظار في الساعات المقبلة الى صناديق الاقتراع التي ستفتح على مرحلتين غداً والاحد المقبل في 58 دولة في العالم لمعرفة حجم المشاركة وما يمكن ان تعكسه على تكوين المجلس النيابي الجديد. وهو أمر قاد القوى التي تخوض السباق الى ساحة النجمة الى احتساب هذا المعطى بعيون مختلفة، نتيجة عوامل عدة تتحكّم بعدد المسجلين للمشاركة فيها. وعليه، كيف يمكن قراءة المؤشرات الدالة إليها؟
قد تكون المرة الاولى التي يعقد فيها الرهان على تصويت المغتربين اللبنانيين المنتشرين في العالم في الانتخابات النيابية المقبلة بعدما كانت النظرة اليهم محصورة بقدرتهم على رفد لبنان بالدعم السياسي والديبلوماسي في الأزمات الكبرى بعدما لعب الاغتراب في العواصم العالمية الكبرى أدواراً بارزة دفعت بالحكومات الغربية الى التدخل في لبنان ومساعدته في أكثر من محطة لتجاوز الأزمات المتلاحقة التي عانى منها. كما بالنسبة الى رفد الاقتصاد اللبناني بالعملات الصعبة بعدما شكّل القطاع المصرفي موئلاً لحساباتهم المالية لفترة سبقت حدوث الفجوة المالية الكبرى ووقوع النكبة النقدية التي ضاع فيها جنى العمر.
وقبل الدخول في مجموعة السيناريوهات والمقاربات التي تحاكي دعوة المنتشرين الى المشاركة في الانتخابات النيابية وبعيداً من الإشكاليات الاخيرة حول توزيع اقلام الاقتراع، فقد كان لافتاً السقوط المريع لبعضها بعد ان فشل مَن أراد تعطيل اي تأثير لهم في انتخاب اعضاء المجلس الـ 128 وحصر دورهم بانتخاب النواب الستة ممثلي القارات الكبرى في العالم بعد تشكيل الدائرة الـ16. وعندها كبر التحدي وتعاظمت المواجهة بين القوى السياسية التي تفهمت حجم الهجرة التي بلغت ذروتها في السنوات الثلاث الماضية بعد ان انتقلت عائلات بكاملها الى الخارج نتيجة التقلبات والانهيارات المتتالية على المستوى الاقتصادي والنقدي والاجتماعي والصحي، والتي أضافت كثيرا من الصعوبات المعيشية على ما أعقب تفجير مرفأ بيروت ووقع الازمة التي تسبّبت بها جائحة كورونا.
ولذلك، فقد عكست الهجرة السريعة فراراً من الواقع القائم تعاظم التحديات أمام الشباب اللبناني والعائلات الحديثة، وتلك التي سئمت طريقة تعاطي السلطة مع ثورة 17 تشرين 2019 بكثير من التعالي على ما كشفته من عورات في سلوكيات اهل المنظومة السياسية والحكومية الذين ردوا بتعطيل المبادرات الخارجية، ولا سيما منها المبادرة الفرنسية التي قادها الرئيس ايمانويل ماكرون شخصياً بما حظيت به من دعم عربي وغربي غير مسبوق بالتزامن مع مجموعة الخطط التي وضعت ونفّذت لمنع أي مسعى لتوحيد القوى المعارضة التغييرية بغية تفكيكها وصولاً الى النتيجة التي انتهت إليها. فالمباردة الفرنسية شكّلت بالنسبة الى أكثرية اللبنانيين المخرج الوحيد، لا بل المعبر الاجباري، الذي يمكن ان يقود البلاد الى مرحلة التعافي والإنقاذ وهو ما شَكّل سبباً إضافياً لتزايد نسبة الهجرة الجديدة بحثاً عن لقمة العيش الكريمة والحد الادنى من الاستقرار الاجتماعي والعائلي.
على هذه الخلفيات، ومن دون الدخول في كثير من التفاصيل، فقد زادت كل هذه المعطيات نسبة الاهتمام بالدور الذي يمكن المنتشرون في العالم ان يلعبوه في الدورة الانتخابية الحالية، فكانت الحملات التي رافقت تسجيلهم للانتخاب في الخارج الى ان حققت أرقاما خيالية اعتقد البعض للوهلة الأولى أنها وهمية. فقد سطع الرقم 244442 مغترباً عبّروا عن رغبتهم بالمشاركة في انتخاب نواب مناطقهم قبل ان يتراجع هذا الرقم لأسباب تقنية وإدارية وشخصية الى 225114 ناخباً يتوزعون على 59 بلداً، قبل ان تسقط أوكرانيا من لائحة الدول المضيفة للناخبين وتراجعت الى 58 دولة وسقطت معها ثلاثة اقلام اقتراع للبنانيين كانت قد خصّصت للمنتشرين فيها.
والى هذه الملاحظات التي لا يمكن تجاهل ايّ منها عند مقاربة دور المنتشرين في الانتخابات المقبلة، لا يمكن ايضاً تجاهل النظرة الى تركيبة الانتشار اللبناني. وعليه، فقد توقفت احدى الدراسات الجديدة عند معطيات تقود الى تحديد اربعة اجيال من المهاجرين والمغتربين والمنتشرين اللبنانيين قياساً على موجات الهجرة التي عرفها لبنان منذ ما قبل وبعد الحربين العالميتين الاولى والثانية التي عبرت اراضيه، مروراً بما تسبّبت به أحداث العام 1973 والاجتياحات الاسرائيلية حتى حرب تموز 2006 ومجمل الحروب الداخلية بين اللبنانيين الى الموجة الاخيرة الحديثة التي فاقت نتائج الموجات السابقة، والتي اقتربت من إفراغ لبنان من قدراته العلمية والبشرية.
على هذه الاسس تنتقل الدراسة الى مقاربة النتائج المتوقعة لانتخاب المنتشرين وانعكاساتها على بعض الدوائر الانتخابية الحساسة بالحجم الذي بَلغته ان استطاع الراغبون في المشاركة وممارسة حقهم في الانتخابات من الوصول الى مراكز الاقتراع في مجموعة الدول الـ 58، وسط قراءات مختلفة تستند في نتائجها الى الهجرات او الأجيال الاربعة من المهاجرين وإمكان تأمين مشاركتهم بالحجم الذي يمكن ان يغيّر كثيراً من النتائج المتوقعة. فبعد سقوط الهجرة الأولى من اي حسابات يمكن قياس المتبقّي منها وفق الملاحظات الآتية:
– ليس مهمّاً القول إنّ القوى التغييرية ستجني من أصوات المنتشرين الحصة الكبرى، وان النتائج النهائية وَقف على طريقة توزيعها على اللوائح المتناحرة والمتعددة بعد الفشل في توحيد قواها ولوائحها بما يمكنها الإستفادة من الخزّان البشري الحديث الذي قادت إليه الهجرتان الثالثة والرابعة وخصوصاً الى الدول الأوروبية ودول الخليج العربي وأوستراليا التي سجّلت أرقاماً بالغة الأهمية، والتي كان يمكن ان تؤمّن حاصلين على الأقل في بعض الدوائر الحساسة اذا تم استثمارها بالطريقة التي تضمن تفوّق القوى التغييرية على خصومها من أركان السلطة.
– لا تزال بعض القوى التقليدية تراهن على نسبة من الأصوات الوافدة من بعض المدن والعواصم وهي على حق. فبعض أنصارها من الهجرة الثانية ما زال وفيّاً لها وهي تستند الى ما زرعته في المراكز الديبلوماسية من خدمات بعد تحكّمها بدوائر وزارة الخارجية أخيراً من دون إغفال الدور الذي لعبته المديرية العامة للمغتربين على مدى العقود الماضية والتي نجحت في الحفاظ على وحدة المغتربين الشيعة في عدد من دول أوروبا الشرقية وألمانيا بالإضافة الى بعض الدول الافريقية واميركا الشمالية، فلها حصونها التي لا تخرق على رغم الحديث عن الصعوبات التي تحدث عنها “حزب الله” بنتيجة تصنيفه لدى هذه البلدان على أنه قوة ارهابية. فقد أثبتت الوقائع ضعف هذه النظرية الى حدود التلاشي.
وبناء على ما تقدّم، تبقى العبرة في القدرة على ضمان مشاركة نسبة عالية من هؤلاء المنتشرين قبل الحديث عن النتائج المترتبة عليها، والتي سيبنى عليها كثيراً. فنسبة ما تحصده قوى المعارضة والتغيير تقترب من الـ 70 الى 73 % في معظم الدول، ولكن هل ستصبّ جميعها في سلة واحدة؟