اقل من أسبوعين: اشتعال مسيحي وتعارض سني
بين المواقف والكلمات والخطب الجوالة والمتكاثرة قبل اقل من أسبوعين تفصلان عن موعد الانتخابات النيابية بدا المشهد الانتخابي على كثير من الغموض والضبابية خلافا لما يمعن بعض الاعلام في تصويره بان معظم النتائج تبدو محسومة . ذلك ان الحماوة البالغة والتصاعدية في المبارزات الانتخابية لم تعد تقتصر على طابع تقليدي معتاد في السباقات الى المقاعد الانتخابية بل ان ما انفجر بين القوى المسيحية عموما وخصوصا بين التيارين الاكبرين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية ” تحول الى حرب إعلامية وتحشيدية بالغة العنف استحضرت وتستحضر فيها “حرب الإلغاء” ولو من دون أسلحة وكأن لا تفاهم معراب ولا المصالحة ولا التعايش السياسي بعد انتخاب ميشال عون رئيسا قد مر بين الفريقين. وإذ ينتظر ان يرخي المناخ العدائي التصاعدي بظله المؤثر بقوة على المنازلات التي ستشهدها دوائر وساحات انتخابية عدة بين العونيين والقواتيين بما يشد الأنظار الى هذا المحور الأساسي من الاستحقاق فان ذلك لن يحجب الجانب الشديد الحساسية والمفصلي أيضا من الاستحقاق والمتعلق بالواقع السني الذي ظهر امس على ارباكه التصاعدي بما يزيد الغموض ويفاقمه . ذلك انه في مقابل الدعوات التي اطلقت في اول أيام عيد الفطر على لسان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ومفتي المناطق الى المشاركة في الانتخابات وعدم مقاطعتها برز في المقابل من جانب “تيار المستقبل” موقف شديد الحزم والوضوح في اعتبار المشاركة تغطية وتشريعا ل”حزب الله” عبر صناديق الاقتراع . وبذلك يمكن القول ان المشهد الانتخابي توغل بدرجات كبيرة الى نقاطه الشديدة الحساسية بما يتوقع معه ترقب تطورات يومية مفتوحة على شتى أنواع التصعيد والاحتدام في الأيام المقبلة . وليس في مشهد المهرجانات مترافقة مع اشتداد نبرة الخطاب الاتهامي سوى مؤشر على ان مختلف القوى بدأت استعمال “الأسلحة الثقيلة” بكل الإمكانات لان أي فريق لا ينام واقعيا على حرير الإحصاءات والحسابات الانتخابية وسط وضع انهياري لا يؤمن معه جانب أي تطمينات استباقية ولو تباهى الجميع الان بامتلاكهم الحواصل الواعدة بالانتصارات الافتراضية .
اما اغرب الظواهر الانتخابية غير المسبوقة فكانت تلك التي قدمها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي درج على مهاجمة من يجتمع معهم في حلف واحد ! وفي هجوم مقذع على نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي المرشح على لائحة واحدة مع مرشح التيار في البقاع الغربي حمل باسيل بعنف عليه من دون ان يسميه وقال في محطته امس في البقاع الغربي : “الوصوليون والجاحدون وناكرو الجميل أصبحوا يبررون فشلهم تجاه الناس بالهجوم على التيار وبتشويه صورة مرشح التيار شربل مارون وبتحميله مسؤولية فشلهم بالكهرباء وبالانماء ومواقفهم المتقلبة وشخصيتهم المتلونة ونفسيتهم الخبيثة”. ولفت الى أن “هناك أشخاصا أخذوا فرصة بالتشريع وبالتنفيذ وتأمّن لهم الدعم لأعلى الألقاب، فلم يتركوا بالتشريع بصمة ولا حتى بالإنماء، فهذا الصنف من الناس معروف ومكشوف، تاريخهم يفضحهم والطبع عندهم أقوى من التطبع، و”الأعوج ما بيجلّس، هودي كل عمرن أزلام وبيبقوا”. وأشار الى “أننا في التيار الوطني الحر تعرضنا خلال مسيرتنا للغدر والخيانة وقلّة الوفا ونكران الجميل أكثر من مرّة، وقال: “بيكفي كم يوضاس وقع معنا عَ الطريق من 17 تشرين 2019 لليوم واؤكّد لكم انهم سيشنقون انفسهم سياسيا تباعاً!”.
خطبة المفتي
اذن تميزت خطبة عيد الفطر التي القاها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في مسجد الأمين في حضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس فؤاد السنيورة وحشد سياسي وشعبي بالتشديد على أنّ “الإنتخابات هي الفرصة المتوفرة أمامنا لتحقيق التغيير، ولذلك أحذّر وأنبّه من خطورة الامتناع عن المشاركة في هذا الاستحقاق”، مضيفاً: “لا أحد من الفاشلين يملك الجرأة على الإعتراف بما اقترفت يداه، بل إنهم يصنّفون أنفسهم ملائكة ليعودوا فحذار من أقوالهم المخادعة والمضلّلة”.وأشار الى أنّ “الجوع لا يُميّز بين الطوائف والمذاهب والمناطق، وتجمعنا جميعاً المعاناة من الأزمات المتفاقمة وتوحّدنا الإرادة الوطنية لتغيير ما نحن فيه وتخرجنا من هوّة الانهيار والفشل إلى ما نطمح لنكون عليه دولة رسالة تربطها الصداقة مع الأشقاء العرب”، وتابع “يبدأ العمل بانتخاب الصالحين في 15 أيار، واللبنانيون قادرون على إعادة بناء وطنهم وترميم مؤسساتهم المتداعية وذلك انطلاقاً من اختيار أعضاء المجلس النيابي الذي يُشكل مدخل الإصلاح المنشود، واليأس ممنوع لأنه استسلام للفشل والموت”.
الحرب الإعلامية
اما على “الساحة”المسيحية فاشتعل تبادل حار ومتفجر بالاتهامات بين “القوات” و”التيار الوطني الحر” فيما كان زعيما الفريقين يتبادلان بدورهما التراشق كل من جانبه . وبلغت الحرب الإعلامية ذروتها مع اصدار الدائرة الإعلامية في “القوات اللبنانية” بيانا ردت فيه بعنف بالغ على النائب جبران باسيل الذي وصفته ب” سارق الجمهورية وناهب الشعب اللبناني الذي بذمته أقلّه 40 مليار دولار عجز كهرباء على مدى عشر سنوات، وموضوع اسمه على لائحة عقوبات دولية، الأمر الذي لم “يتشرّف” به قبله أي رئيس حزب مسيحي أو مسلم، وبالتالي هذا الشخص بالذات يدّعي على “القوات اللبنانية” بتهمة تخطي المصروف الانتخابي، ولكن فاته الكثير من الأخلاق، وهذا متّفق عليه بين أكثرية اللبنانيين، وفاته أيضًا الكثير من التفاصيل التي إما هو غير مطّلع عليها، وإما أهملها قصدًا، لأنّ البحث في السقوف الانتخابية يبدأ بعد نهاية الانتخابات النيابية باعتبار أنّ النفقات الانتخابية ما زالت جارية، وبالتالي بعد انتهاء الانتخابات وعلى ضوء كلّ الفواتير التي تكون قد وصلت إلى هيئة الإشراف تسطيع الأخيرة الحكم مَن تجاوز أو مَن لم يتجاوز السقوف الموضوعة”.
وردت اللجنة المركزية للإعلام في “التيار الوطني الحر” بهجوم اعنف على رئيس حزب “القوات اللبنانيّة” سمير جعجع ووصفته بانه “صاحب التاريخ الأسود قتلاً وغدراً، براً وبحراً، الميليشيوي الدائم ويهوذا العصر، يتطاول عبر سُفهائه على التيّار الوطنيّ الحرّ، ويَنسب إلى نفسه ووزرائه ونوابه بياض الثلج، وليس كل أبيض ثلج، يُحاضر في العفة والأخلاق، فيما هو لا يزال يَغرف من أموال ارتهانه للخارج ومن خزائن الحرب والخراب في قلعته المبنية بدماء الشهداء وعلى جماجمهم”.
“المستقبل”
ووسط هذه الأجواء برزت تغريدة لمُنسّق عام الإعلام في “تيار المستقبل” عبد السلام موسى على حسابه عبر “تويتر” علق فيها على “قيادات وشخصيات عدة ترى أن عدم المشاركة في الإنتخابات تؤدي الى تسليم “حزب الله” زمام الامور في البلاد” وقال “نحن نرى مع قطاع واسع من المواطنين في كل المناطق أن المشاركة ستؤدي الى تأمين غطاء شرعي لـ “حزب الله” يبحث عنه في صناديق الاقتراع”. وأضاف: “هذه انتخابات ستقدم الى “حزب الله” شرعية ينتظرها منذ سنوات، وجمهور “تيار المستقبل” لن يشارك في ذلك، ولن يكون جسراً يعبر فوقه الحزب فوق انقاض الشرعية. “تيار المستقبل” يلتزم قرار الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي والخروج من دوامة الصراع على سلطة اغرقت البلاد بالويلات السياسية والاقتصادية وجعلتها رهينة لاشتباكات اهلية حوّلت المواقع الدستورية الى متاريس طائفية. سنحتفظ بحق الاعتراض والمواجهة من خارج السلطة، وجمهور الرئيس سعد الحريري في كل لبنان لن يقبل في لحظة مفصلية أن يتحول الى مكتب انتخابي لقوى حزبية وسياسية فقدت ثقتنا بها من سنوات”.
سعيد وامن الانتخابات
اما العامل البارز الاخر الذي اثير امس فتمثل في المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب السابق فارس سعيد حول الحادثين اللذين شهدهما منزله في الأيام الأخيرة بتحليق مسيرة فوق المنزل وتوقيف شخصين يقودان سيارة بلوحة مزورة حضرا الى منزله . واعلن سعيد “نحن تحت سقف القانون، وتقدمت وفقا للقانون والدستور بالترشح الى الانتخابات النيابية بتوجه سياسي واضح ومعروف اتجاهه. وصلت الرسالة الاولى والثانية والثالثة ومن حقي ان اعقد هذا المؤتمر لأقول للرأي العام إن أمني الشخصي بين يدي الدولة والقوى الأمنية الشرعية. لن أطلب من اي شاب ان يحمل سكينا ويقف على الطريق، ولن أعرض أي شخص في هذه المنطقة الى أي شيء خارج القانون والدستور، ولكن في الوقت عينه، وبالوضوح والصلابة عينهما، أطلب أسوة بكل المرشحين، والمميزون منهم، وسأقولها بكل صدق إن هناك قوى سياسية، لا أمنية ولا عسكرية، تحرك ألوية عسكرية من اجل ان ينتقل مرشح من بيروت الى عكار، وهناك مرشحون معروف اتجاههم يقطنون في مناطق مكشوفة، ليس من الطبيعي ان تبقى الأمور كما هي”.
وقال: “اليوم نتحدث عن أمن الانتخابات وغدا عن أمن منازلنا وعيالنا وارضنا وثروتنا الزراعية. هذه المنطقة كانت وستبقى امانة في عنق الدولة والجيش والقوى الامنية اللبنانية، ولن نرضى بأن نخرج على هذا الواقع، ولهم منا كل المحبة والتقدير والاحترام للجميع”.